كتَابُ السَّبْقِ والرَّمْي
لشيخ
الإسلام ابن تيمية :
حققه وخرج
أحاديثه أبو هيثم فخري
بسم الله
الرحمن الرحيم
رب يسر .
قال الشيخ الإمام العلامة إمام
الأئمة ، وناصر السنة ، حبر المسلمين شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن
تيمية – رضي الله عنه وأرضاه - .
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن
يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .
فصل : في المسابقة على الخيل والإبل والمناضلة ورمي النشاب ونحوه وما يتبع ذلك .
وجماع ذلك أن الأعمال التي يكون بين
اثنين فصاعدا يتغالبان يطلب كل واحد منهما أن يغلب الآخر بثلاثة أصناف ([1]).
صنف :
أمر الله به ورسوله ﷺ كالسباق بالخيل
والرمي .
فإن هذا مما يُعِين على الجهاد في سبيل
الله الذي أمر الله به ورسوله ﷺ([2]).
قال تعالى : ﴿ وَأَعِدّواْ لَهُمْ مّا اسْتَطَعْتُمْ مّن قُوّةٍ وَمِن رّبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ([3])
بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ([4])
اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [سورة الأنفال – الأية : 60 ] ، أي : وترهبون به آخرين من
دونهم ، وقد فسروا بالمنافقين وبالجن.
وثبت في صحيح
مسلم([5])
وغيره([6])
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : « ارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب
إلي من أن تركبوا ، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها » . وفي رواية :
« فليس منا » .
وقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يسابق بين
الخيل المضمرة وغير المضمرة . وكذلك خلفاؤه ([7]).
وفي السنن عن النبي ﷺ أنه قال : « كل لهو يلهو
به الرجل فهو باطل ، إلا رميه بقوسه وتأديبه لفرسه وملاعبته لامرأته ، فإنهن من
الحق » ([8]).
فهذا النوع شرع الله ورسوله فيه
السبق بقول النبي ﷺ في الحديث الثابت عنه الذي أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : «
لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل »([9]).
الثاني من المغالبات :
ما نهى الله عنه ورسوله ﷺ بقوله
تعالى : ﴿ يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ
لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنّمَا يُرِيدُ([10])
الشّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ
مّنتَهُونَ ﴾ [سورة المائدة – الأية : 90-91 ] .
فالميسر محرم بالنص والإجماع ، ومن
الميسر اللعب بالنرد والشطرنج وما أشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع
العداوة والبغضاء .
فهذا إذا كان بعوض فهو حرام بإجماع
المسلمين ، وهو من الميسر الذي حرّمه الله ورسوله ﷺ ([11]).
وإن لم يكن بعوض ، فهو أيضا حرام عند
الصحابة وجمهور علماء المسلمين كمالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم ([12]).
وكذلك نص الشافعي على تحريم النرد
وإن كان بلا عوض ، وذكر أنه حرمه للخبر([13])،
وتوقف في تحريم الشطرنج ، فلم يجزم بتحليله ، وذكر أنه لم يتبين تحريمه([14]).
فلهذا تنازع أصحابه في الشطرنج :
ومنهم من طرد [
توقفه ]([15]) في النرد الخالي عن عوض([16]). وهذا القول
منقول عن بعض المتقدمين([17])،
لكن لم يثبت عن أحد من الصحابة فيما أعلم([18])
، بخلاف القول الأول فإنه ثابت عن الصحابة . وهؤلاء ظنُّوا أن الله إنما حرّم
الميسر لأجل ما فيه من المخاطرة المتضمنة أكل المال بالباطل ، فقالوا : إذا لم يكن
فيها أكل مال زال سبب التحريم .
ثم منهم من طرّد([19])
[ نصه ] ([20])
في [ تحريم ]([21])
النرد الخالي عن عوض([22]).
ومنهم من حرمه بالخبر الوارد فيه([23])، وهو ما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال : « من لعب بالنَّرْدِشِيْر وكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه »([24]).
وفي السنن عنه ﷺ أنه قال : « من لعب بالنرد
فقد عصى الله ورسوله »([25]).
ومنهم من حمل التحريم على ما إذا
اشتمل على عوض ليطرد قياسه([26]).
وأما الجمهور ، فقالوا : بل تحريم
الميسر من جنس تحريم الخمر([27])،
ولهذا قرن الله بينهما ، وبيّن علة التحريم بقوله : ﴿ إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ
أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مّنتَهُونَ ﴾
[سورة المائدة – الأية : 91 ] ، ومعلوم أن الخمر يدعو قليلها إلى كثيرها ، وكثيرها
يغير العقل فيصد عما أمر الله به ورسوله من ذكر الله والصلاة ، ويوقع فيما نهى
الله عنه ورسوله من العداوة والبغضاء ، فيمنع من الصلاح الذي يحبه الله ويوجبه
ويوقع الفساد الذي يحرمه الله ويكرهه . ولهذا كان تحريمها من باب سد الذرائع ، فإن
هذه المغالبات تلهي القلب عما ينفعه كاللعب بالنرد والشطرنج ، فإنها تلهي عما أمر
الله به ورسوله من ذكر الله([28])
والصلاة ، ويُورث العداوة والبغضاء بين المؤمنين ، وقليلها يدعو إلى كثيرها ، وقد
يذيل صاحبها أو تلهيه وتغيب عقله عن مصالح دينه ودنياه أكثر مما يفعل كثير من
الخمر ، ففيها لهو ولعب ، لهو عن الحق ، ولعب بالباطل من جنس ما في الخمر ، وتبقي
صاحبَها عاكفا عليها كعكوف شارب الخمر على خمره وأشد ، وكلاهما مشبه بالعكوف على
الأصنام ، كما في المسند عن النبي ﷺ أنه قال : « شارب الخمر
كعابد وثن »([29]). وقد ثبت عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج ، فقال :
« ما هذه
التماثيل التي أنتم لها عاكفون »
. وروي أنه مرّ بالرُّقعة فقلبت ([30]).
وكذلك نهى عبد الله بن عمر وابن([31])
عباس وغير واحد من الصحابة([32])
ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنها لعب بها ولا أرخص فيها .
وتنازع العلماء أيهما شرّ هي أو
النرد ؟
فقال ابن عمر – رضي الله عنهما –
ومالك وغيرهما : الشطرنج شر من النرد([33]).
وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن
حنبل وغيرهم : النرد شر من الشطرنج([34]).
وكلا القولين صحيح باعتبار ، فإن
الغالب اشتمالها([35])
على عوض ، بخلاف الشطرنج بغير عوض([36]).
أما إذا اشتملا على عوض أو كانا جميعا بلا عوض ، فالشطرنج شر من النرد ، فإنها
تحتاج إلى فكر يلهي قلب صاحبها أكثر مما تحتاج إليه النرد . ولهذا يقال : [ إنها ]([37])
مبنية على مذهب القدر ، والنرد على مذهب الجبر ، فكان مضرتها بالعقل والدين أكثر
من مضرة النرد ، [ لكن إذا كان في أحدهما مال ؛ تضمن أكل المال بالباطل ، فصار
حراما من وجهين ، فإنه على قول الجمهور إذا كانا بعوض ؛ حرما من وجهين ، من جهة أن
فيها أكل مال بالباطل ]([38])
، وذلك محرم بقوله تعالى : ﴿ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوَاْ
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ
مّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً . وَمَن
يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ
نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً ﴾([39])،
والله تعالى حرم في كتابه([40])
[ الربا ]([41])
لما فيه من أكل المال بالباطل ، وما نهى عنه النبي ﷺ من بيع الغرر([42])
كبيع حبل الحبلة([43])
وبيع الثمار قبل بدو صلاحها([44])
وبيع الملامسة والمنابذة([45])
ونحو ذلك حرمه لما فيه من أكل المال بالباطل .
ولهذا([46])
قال في الحديث الصحيح : « إن بعت من
أخيك ثمرة ثم أصابتها جائحة ، فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئا ، بِمَ يأخذ
أحدكم مال أخيه بغير حق »([47]).
والغرر الذي [ نهى ]([48])
عنه النبي ﷺ هو نفس المال المتردد بين أن يحصل وبين أن لا يحصل ، فإنه إذا لم يحصل
كان البائع قد أكل مال المشتري بالباطل ، وكذلك الثمرة قبل بدو صلاحها .
ومن الفقهاء من يجعل الغرر صفة للعقد
، فيظن أن المقصود نهيُه عن بيع الذي هو غرر ، وليس كذلك ، بل الغرر هو المبيع لا
نفس العقد ، كما قال : لا تبيعوا السمك في الماء ، فإنه غرر ، وهنا المخاطرة فيها
أكل المال بالباطل .
والنوع الثالث من المغالبات :
ما هو مباح لعدم المضرة الراجحة ،
وليس مأمورا به على الإطلاق لعدم احتياج الدين إليه ، ولكن قد ينفع أحيانا
كالمصارعة والمسابقة على الأقدام ، ونحو ذلك([49])
. فهذا مباح باتفاق العلماء إذا خلى عن مفسدة راجحة . والنبي ﷺ صارع ركانة بن عبد
يزيد([50])
وسابق عائشة –رضي
الله عنها-([51]). وكان أصحابه
يتسابقون على أقدامهم بحضرته ﷺ ، لكن أكثر العلماء([52])
لا يجوّزون في هذا سبقا ، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ؛ لأن النبي ﷺ
قال : « لا سبق إلا في
خف أو حافر أو نصل »([53])، ولأن السبق
إنما أبيح إعانة على ما أوجبه الله من الجهاد ، وليست هذه الأعمال من جنس ذلك .
وأبو حنيفة أباح السبق بالمحلل في
هذا كما يبيحه في سباق الخيل بناءً على أن العمل في نفسه مباح ، والسبق عنده من
باب الجعالة ، وتجوز الجعالة عنده على العمل المباح ، والذي قاله هو القياس لو كان
السبق المشروع من جنس الجعالة .
وأكثر أولئك يسلمون أنه من باب
الجعالة ، لكن يقولون هذه الجعالة شُرعت فيما ينفع الناس كالجهاد ، فيقول لهم أبو
حنيفة : معلوم أن المتسابقين إذا أُخرج أحدُهما سبقا للآخر إذا غلبه ، فليس مقصوده
أن يغلبه الآخر ، ويأخذ سبقه ، فإن هذا لا يقصده عاقل لا يقصد أن يكون مغلوبا قد
أخذ ماله بل مقصود الإنسان أن يغلب غيرَه ، ويأخذ مالَه ، كما يقصد بالجهاد . وهذه
المغالبة شرعت تمرينا على الجهاد ، والمجاهد لا يقصد أن يغلب ويؤخذ ماله ، وإن قصد
أن يجاهد جهادا يقتل فيه ، ويؤخذ([54])
ماله ، فإنما يجوز قصد ذلك إذا كان فيه نكاية في العدو أبلغ من قتله ، فيكون إذا
قتل شهيدا وفاز بأعلى الدرجات ، فقد حصل للمسلمين بقتله من الظهور والقوة ما تكون
مصلحته راجحة على موته كما في حديث الغلام الذي أمرهم بقتله ليسلموا ، وهذه
تسمى مسألة الانغماس .
وأما إذا قصد أن يُذهب نفسه وماله
بلا منفعة راجحة تحصل للمسلمين ، فهذا مخطئ .
والسباق بين المسلمين لا يجب فيه أن
يقصد المسابق أن يسبقه غيره ، بل قد يتفق بأن يكون من المسابقين من يقصد إعانة
الناس على الجهاد ، ويقصد تمرين غيره ، لا سيما إذا كان من يحبه كولده وصديقه ونحو
ذلك ، فهذا قد يكون أصدق من غيره ، ومع هذا تقصير في عمله حتى يغلبه ذلك ليفرح ذلك
بالغلب . ويتمرن على الرمي والركوب ، ومثل هذا قد يقول للآخر : "إن غلبتَني
أعطيتك كذا"، ومقصوده أن يغلبه ويعطيه لمحبته أن يكون ماهرا في ذلك ، ليس هذا
هو الغالب على المتسابقين ، ولا تشترط هذه النية في بذل السبق ، بل كل من
المتسابقين يبذل السبق ، وقصده أن يغلب ويأخذ([55])
سبق صاحبه لا أن يغلبه صاحبه ، ويأخذ سبقه .
وليس هذه الجعالة المعروفة المشروعة
مع أن الناس تنازعوا في جواز الجعالة ، فأبطلها طائفة ، كما ذهب إلى ذلك من ذهب
إليه من الظاهرية . لكن الصواب الذي عليه جمهور العلماء جوازها مثل أن تقول : « من رد عبدي
الآبق فله كذا ! » « من بنى لي
الحائط ، فله كذا ! » وليست عقدا
لازما ؛ لأن العمل فيها غير معلوم ، بخلاف الإجارة اللازمة . ولهذا يجوز أن يجعل
للطبيب جُعلا على الشفاء كما جُعل لأصحاب النبي ﷺ جعلٌ إذا شفي سيد الحي برقيتهم([56])
، ولا يجوز أن يستأجر الطبيب على الشفاء ؛ لأن ذلك غير مقدور له ولا العمل مضبوط .
فصل :
ومن هنا يظهر ، ففيه باب السبق
، فإن كثيرا من العلماء اعتقدوا أن السبق إذا كان من الجانبين، وليس بينهما محلل
كان هذا من الميسر المحرَّم ، ويعبرون عن ذلك بأن هذا قمار ؛ لأن كلا منهما متردد
بين أن يغرَم أو يغنَم ، وما كان كذلك فهو قمار ، واعتقدوا أن القمار المحرم لما
فيه من المخاطرة والتعزير إذ كان كل منهما يحتمل أن يغنم ، ويحتمل أن يغرَم ، فهو
مقدم على أمرٍ([57])
لا يدري أيغنَم فيه أو يغرم ، وظنوا أن الله ورسوله حرّم الميسر الذي هو القمار
لهذه العلة . وهذا المعنى موجود في المتسابقين إذا أخرج كلا منهما السبقَ ، فحرموا
ذلك .
وروي في ذلك حديث ظنه بعضهم صحيحا ،
وهو ما رواه أبو داود وغيره عن سفيان بن حسين وسعيد بن بشير عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : « من أدخل فرسا
بين فرسين ، وقد أمن أن يسبَق فهو قمار »([58]) ولكن هذا
الحديث مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه ليس من كلام النبي ﷺ.
قال أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه
المشهور : سئل يحيى بن معين وأنا حاضر عن حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ : « من أدخل فرسا
بين فرسين ، وهو يأمن أن يسبَق فهو قمار » فأخذ القلم ،
فكتب بيده : " سعيد بن المسيب عن أبي هريرة باطل ، وإنما هو من كلام سعيد بن
المسيب نفسه ". وهكذا رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري عنه عن([59])
سعيد بن المسيب مثل الليث بن سعد وعُقَيل ويونس ومالك بن أنس ، وذكره في «الموطأ» عن سعيد بن
المسيب نفسه ، ورفعه سفيان بن حسين الواسطي ، وهو ضعيف ، لا يحتج بمجرد روايته عن
الزهري لغلطه في ذلك ، كما ذكر ذلك أهل المعرفة بالحديث والرجال في كتبهم ، وسعيد
بن بشير أضعف منه بكثير ، والكلام فيه وفي ضعف
روايته عن الزهري وأنه لا يحتج لها مبسوط في موضع آخر .
ثم العلماء الذي اعتقدوا هذه
المسابقة بلا محلل قمارا تنازعوا بعد ذلك ، فمنهم من لم يُجز العوض بحال لا من
المسابقين ولا من غيرهما إلا أن يكون من الإمام . ومنهم من جوز السبق من أجنبي ولم
يجوزه من أحد المتسابقين. ومنهم من جوزه من أحدهما بشرط أن لا يرجع إليه ، بل إن
كان مغلوبا أخذ الآخر السبق ، وإن كان عالما أطعمه للجماعة ولم يرجع إليه .
وهذا النـزاع معروف عن طائفة من
العلماء من أهل المدينة وغيرهم ، وهو معروف عن مالك وغيره ، وهؤلاء قولهم أصح وأطرد
للقياس لو كانت المسابقة بالجُعل من الطرفين قمارا محرما([60])
، فإن هؤلاء رأوا أن هذه ليست جعالة تقصد فيها الجاعل بذل المال في عمل ينتفع به ،
وإنما قصده أن يبذل المال ليغلب صاحبه ويأخذ ماله لا ليغلبه صاحبه ويأخذ صاحبه
ماله فحرموها وقالوا دخول المحلل فيها يزيدها شرا ، فإن المقامرة حرمت لما فيها من
أكل المال بالباطل ، وإذا دخل فيها المحلل زاد الشرّ ، فإن المتسابقين إذا غلب
أحدهما صاحبه فأخذ ماله كان هذا في مقابلة أن الآخر إذا غلبه أخذ ماله ، وكان
مبناها على العدل ، بخلاف المحلل ، فإن المحلل إن غلب أخذ([61])
مال غيره ، وإن غلبه غيره لم يأخذ ماله ، فكان المحلل ظالما ، يأخذ إن كان غالبا ،
ولا يعطى إن كان مغلوبا .
والشريعة مبناها على العدل ، ولم
يشرع الله ورسوله معاملة تتضمن ظلم أحد ، بل لما أباح النبي ﷺ المزارعة ، وكانوا
يشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها ، فيفضي هذا إلى أن يأخذ أحدهما دون الآخر ،
نهى النبي ﷺ عن ذلك ليعدل بينهما([62])،
ويشتركان في المغنم أو المغرم ، فما قسم الله يكون بينهما مشاعا ، وإن نقص الزرع
أو لم يحصل شيء اشتركا جميعا في المغرم ، فذهب([63])
نفع بدن هذا ونفع أرض هذا .
وكذلك في المضاربة ، ليس لأحدهما أن
يشترط دراهم مقدرة ، ولا ربح سلعة بعينها ، بل يشتركان في الربح لكل منهما جزء
مشاع .
ودخول المحلل في السباق ظلم محض خارج
عن العدل ، فإن الثلاثة يتسابقون ، وقد اشترط أن يكون فرسه يكافي فرسهما ، ورميه
يكافي رميهما ، ثم أخذ الثلاثة ، إما أن يغرم بحال ، بل إما أن يغنم ، وإما أن
يسلم ، وكل من الآخرين قد يغرم فلم يستووا في المغرم والسلامة ، بخلاف ما إذا لم
يكن بينهما محلل ، فكلاهما قد [يغنم]([64])،
وقد يغرم ، وقد يسلم إذا جاءا معا ، فكان هذا أقرب إلى العدل ، فإذا حرم الأقرب
إلى العدل فالأبعد عن العدل أولى أن يحرم .
وأيضا فإذا قيل : إن هذا محرم لما
فيه من المخاطرة وأكل المال بالباطل ؛ كانت المسابقة بالمحلل أشد تحريما؛ لأنها
أشد مخاطرة وأشد أكل مال بالباطل ؛ لأن المتسابقين إذا لم يكن بينهما محلل كانت
المخاطرة فيها بين أن يغنم وقد يغرم وانضم إلى ذلك مخاطرة ثالثة ، وهو أنه هناك
يغرم إذا غلبه صاحبه ، وهنا يغرم إذا غلبه صاحبه ، وإذا([65])
غلبهما المحلل فكان هذا زيادة في المخاطرة .
وأيضا فكان يغنم إذا غلبه صاحبه ،
وهنا لا يغنم إلا إذا [ غلب ]([66])
الاثنين جميعا ، فكانت المخاطرة في غنمه وغرمه أشد منها إذا لم يكن بينهما محلل .
وأيضا فأكل المال بالباطل مع المحلل
أشد ، فإنه هناك إذا أكل أحدهما مال الآخر ، وكان غالبا كان هذا في مقابلة أن
الآخر أيضا لو غلبه لأكل ماله ، والمحلل يأكل مال كل منهما إذا كان غالبا ، وإذا
كان مغلوبا لم يأكل واحد منهما ماله . فإن كان أكل أحدهما مال الآخر إذا غلب أكل
مال بالباطل ، فأكل المحلل مالهما أبلغ من ذلك ، فتكون أولى بالتحريم .
وهذه أمور ثانية إذا تدبّرها العالم
بالشريعة تبين أن الشريعة منـزهة عن مثل هذا ، أن تحرم الشيءَ دفعا لمفسدة قليلة ،
وتبيحه إذا كثرت المفسدة ، ولكن أصحاب الحيل كثيرا ما يقعون في هذا فيحرمون بعض
أنواع الربا دفعا لأكل مال المحتاج بالباطل ؛ لأن لا يظلم ويتضرر ثم يبيحون له
حيله يؤكل فيها ماله بالباطل أكثر ، ويكون فيها ظلمه وضرره أعظم ، وكذلك في حيل
نكاح المحلل وغيرها .
ومن العلماء من أباح السبق([67])
بالمحلل ، كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن مالك ، وهؤلاء قولهم
مبني على أصلين :
أحدهما : أن هذه جعالة .
والثاني : أن القمار المحرم هو
المخاطرة الدائرة بين أن يغنم باذل المال ، ويغرم . وهذا المعنى ينتفي بالمحلل ،
فإنه حينئذ يدور الأمر بين أن يغنم ويغرم ويسلم .
وقد تقدم التنبيه على بعض ما في كل
من الأصلين من الضعف . وكلما تدبرت أصول الشريعة تبين ضعف كل من الأصلين .
والمقصود الأعظم بيان فساد ظن الظان له بدون المحلل قمار ، وبالمحلل يزول القمار ؛
لأن المقامرة مترددة بين أن يغنم ويغرم .
فيقال أولا : أين الدليل الشرعي
الدال على أن هذا هو القمار دون هذا ؟
ويقال ثانيا : المتسابقان كل منهما
متردد بين أن يغنم ويغرم ويسلم فإنهما لو جاءا معا لم يسبق أحدهما سبق الآخر .
فقولهم القمار هو التردد بين أن يغنم
ويغرم فقط ليس بمستقيم ، بل عندهم وإن تردد بين أن يغنم ويغرم ويسلم ، فهو عندهم
قمار . وهذا المعنى موجود مع المحلل ، فإن كلا منهما متردد بين أن يغنم إن غَلب ،
وبين أن يغرم([68])
إن غُلب ، وبين أن يسلم إن جاءوا معا أو جاء هو ورفيقه معا ، والمحلل متردد بين أن
يسلم بين أن يغنم ، فالتردد والمخاطرة فيهما موجود مع المحلل كما كان ذلك بدون
المحلل ، ولكن زادت المخاطرة والتردد بالمحلل فتبين أن دخول المحلل لم يزل به ما
سموه مَفْسَدة ، بل زاد بدخوله ما ظنوه مَفْسَد.
وأيضا فيقال لهم : إن كان التردد بين
المغنم والمغرم قمارا دون التردد بين أن يغنم ويسلم كان المعنى الموجب عندكم
لتحريم القمار هو المخاطرة ، وهو إقدام كل منهما على ما لا يعلم عاقبته ، فتردده
بين أن يغنم ويغرم مخاطرة ، بخلاف إقدامه على ما هو متردد فيه بين أن يغنم ويسلم ،
فإن ذلك لا ضرر فيه، فالمحلل على برج السلامة إما أن يغنم وإما أن يبقى سالما ،
فلم جعلتم المحلل الذي ليس هو المقصود بالمسابقة هو الذي نظرتم في مصلحته وجعلتموه
إما سالما وإما غانما والمتسابقان المقصودان بالعقد لم ينظروا في مصلحتهما ، بل
جعلتم كلا منها متردد بين أن يغنم
أو يغرم مع المحلل ، ومعلوم أن التردد بين أن يغنم ويغرم أكثر مخاطرة وفسادا من
التردد بين أن يغنم([69])
ويسلم ، فإن هذا لا ضرر عليه على التقديرين ، وعلى أحدهما له منفعة ، فله منفعة
على أحد التقديرين ، ولا ضرر عليه على الآخر . فعلى التقديرين ينتفع ، وعلى الآخر
لا يتضرر . وأما ذاك فعلى أحدهما ينتفع وعلى
الآخر يتضرر ، فلِمَ شرعتم للمحلل ما لا مضَرّة عليه فيه ، بل إما منفعة وإما
سلامة ، والآخران المقصودان بالعقد جعلتم كلا منهما إما منصورا وإما
مُنتفعا ، فألحقتم بهما من الشر والضرر والظلم وأكل المال بالباطل ما نحيتم
منه المحلل الذي هو دخيل عليهما في المسابقة ، ليس هو مقصودا ، وهل تأتي شريعة
برعاية جانب التابع الدخيل مع إلغاء جانب المقصود الذي خصه النبي ﷺ على الركوب
والرمي ؟
وهل هذا إلا مشتملا على نوعين من
الفساد تنافي الشريعة :
أحدهما : الخروج عن العدل والإنصاف
الذي هو ملازم للشريعة . فكل ما شرعه عدل
وإنصاف لم يشرع ظلما قط ، بل مدار الشرع على العدل .
قال تعالى : ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا
رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [سورة: الحديد - الأية: 25] فالله تعالى أنزل
الكتاب([70])
وأرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط ، فكيف يشترط الشارع في العقود ما يكون موجبا
للظلم دون العدل .
الثاني : أن يجعل المطيع لله ورسوله
الراغب ، فيما رغبه فيه النبي ﷺ الذي يزيد الرمي والركوب ليستعين به على الجهاد في
سبيل الله ويبذل السبق ليكون ذلك أعظم للرعية وأشد تخصيصا للنفوس على ما يحبه الله
ورسوله ، فيجعل هذا غير منظور في مصلحته ، بل مُعرّضا لخسارة ماله ويجعل الآخر
الذي قد جلبه هذا تابعا ودخيلا عليه لا يخسر عليه شيئا من ماله ، بل يجعل
هذا الذي لا قصدَ له من بذل العوض في المسابقة التي يحبها الله ورسوله ، ولم يقصد
ما يتقرب به إلى الله إما سالما وإما غانما ، ويجعل الذي قصد ما يحبه الله ورسوله
، ويتقرب به إلى الله إما غارما وإما غانما ، هل يحسُن أن يجعل هذا في شرع رسول
الله ﷺ أو يشرَع مثل هذا من فهم حقائق الأمور ومقاصد الشرع وما فيه من صلاح العباد
في المعاش والمعاد؟
قال : قلت : فالذي قالوا هذا علماء [
... ]([71])
فضلا من التابعين فمن بعدهم ، فمن أين وقعت الشبهة ؟
قلت([72])
: من حيث ظنوا أن الميسر المحرم الذي هو القمار ؛ حرم لما فيه من المخاطرة . ثم
منهم من رأى المخاطرة كلها محرمة فحرُم السبق مع المحلل وعدمه ، وهذا أقرب إلى هذا
الأصل ظنوه لو كان صحيحا .
ومنهم من رأى الحاجة إلى السبق . وقد
جاء الشرع بها بقول النبي ﷺ : «
لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل »([73]) فأراد أن يجمع
بين كل([74])
ما شرعه الله ورسوله من السبق وبين تحريم ما ظنه من القمار المحرم ، فأباح السبق
مع المحلل دون ما إذا لم يكن محللا ، وروي في ذلك حديث مرفوع ظنه بعضم صحيحا .
ومن عرف أنه ليس بصحيح عن النبي ﷺ
رآه من كلام سعيد بن المسيب ، وهو من أعلم التابعين أو أعلمهم ، فصارت هيبة القائل
مُعِمًّا من أن هذا قمار يوجب ذلك([75])
، ثم أصل قول هؤلاء أنهم جعلوا السبق من باب الجعالة ، فجوزوا فيه ما يجوَّز عندهم
في الجعالة . فإذا كان من الإمام فالجعالة جائزة بلا ريب ، فإن الإمام إذا بذل
مالا في مصالح المسلمين كان حسنا ، وبذل المال لمن يسبق فيه ترغيب للمسلمين على
الرمي والركوب .
[ ]([76])
ثبت([77])
في الصحيحين أن النبي ﷺ كان يسابق بين الخيل([78])
، وكذلك خلفاؤه بعده . وروي أنهم كان يخرجون السبق من بيت المال ثم جوّز الجمهور
أن يكون السبق من بعض المسلمين ، فإن المسلم يقصد بذل ماله فيما ينفع المسلمين ،
كما يبذل ماله لمن يجاهد في سبيل الله ، والله تعالى قد أمر المسلمين أن يجاهدوا
بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وبذل المال في السباق من الجهاد بالمال . وهذا
حسن .
وأما إذا كان الجُعْل من أحدهما دون
الآخر ، فهذا إنما يفعله الإنسان في العادة إذا كان قصده أن يظهر أنه أقوى من
الآخر ، فيقول : لك ألف درهم إن سبقتَني ، ومقصوده أن يبيّن أنه سابق للآخر ، غالب
له ، ولو غلب على ظنه أن الآخر يسبقه لم يبذل شيئا ، فالمقصود بهذا البذل تعجيز
الآخر وقهره ، لا بذل الجعل له إذا كان غالبا قادرا ، وليس هذا هو الجعالة
المعروفة كالجعل على رد الآبق وعمارة الحائط وخياطة الثوب وشفاء المريض ونحو ذلك ،
فإن هذه الجعالة والمغالبة وإن كان كلاهما معلقا على شرط ، لكن الجاعل يقصد وجود
الشرط فيقصد([79])
أن يرد عنده ويبني حائطه ويخيط ثوبه.
وأما المغالب إذا قال : إن غلبتني
فلك ألف درهم ، فمقصوده انتفاء الشرط وأن لا يغلبه ، وعلّق الجزاء على شرط يعتقد
انتفاءه ، ويقصد انتفاءه ، ولم يعلق به وجوب العوض إلا ليبين انتفاء الشرط
، فيظهر أنه لم يغلبه ، وهو يكره بذل المال ، فعلق بذل المال المكروه على شرط يقصد
انتفاءه ، كما يقوله الحالف : إن فعلتَ كذا ، فعليّ الحج ، ومالي صدقة ، وعليّ
العتق ، ونسائي طوالق ، فهنا مقصوده عدم الشرط والجزاء ، ليس هو كالناذر الذي يقول
: إن شفى الله مريضي ، فعليّ صوم شهر ، وكالخالع الذي يقول : إن أبرأتِنِي من
صداقك فأنت طالق ، فإن هذا مقصوده وجود الجزاء عند الشرط ، وهو يقصد الشرط ، بخلاف
المعلق الحالف ، فهكذا المعلق في باب المغالبة مقصوده عدم الشرط وعدم الجزاء ،
والجاعل مقصوده الشرط وبذل العوض إذا حصل ، فلهذا لما لم يكن مقصوده الجعالة منعه
طائفة من العلماء ، ومن جوزه نظر إلى صورة العمل ، ولم يُعتبر القصد ، بناء على
أصله أن المقصود لا يُعتبر في العقود([80])
لاسيما ، وقد يبذلك العوض من ليس له غرض في أن يكون هو الغالب مثل ما إذا أراد
الإنسان تمرين من يحبه كولده وصديقه ، فيبذل له الجعل إن كان غالبا ليفرهه
ويمرنه ويحدقه ، وليس له قصد أن يكون غالبا له .
وأما إذا كان السبق من الجانبين ؛ فرأوا هذا مقامرة لما فيه المخاطرة .
ثم منهم من حرّم ذلك ، ولم مع المحلل
، وهذا اطرد للقياس واضح ، ولو كان أصل قولهم صحيحا.
ومنهم من جوّزه مع المحلل ليجمع بين
الدليلين والمصلحتين ، فلزم من ذلك من التناقض والظلم والفساد ما قد نُبِّه على
بعضه . وهذه اللوازم الباطلة إنما لزمت حيث ظن الظانّ أن الميسر المحرم يدخل فيه
هذا السبق الذي أمره الله به ورسوله .
ومن هنا يتبين حقيقة هذه المسألة ،
فنقول قد تقدم أن الله حرم أكل المال بالباطل والميسر المشتمل على مال حرم لما فيه
من أكل المال بالباطل ، وإن لم يكن فيه مال حرام عند الجمهور ، لما فيه من الصدّ
عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهذه العلة هي العلة الصحيحة في تحريم الميسر ، ولهذا
كان([81])
عند جمهور العلماء الميسر حرام سواء كان فيه مال أو لم يكن ، لم يحرم لمجرد أكل
المال بالباطل ، والعلة المذكورة في القرآن ، وهي قوله تعالى : ﴿ إِنّمَا يُرِيدُ
الشّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ ﴾ [سورة: المائدة
- الأية: 91] هي موجودة في الميسر سواء كان فيها ذهاب المال أو لم يكن ، كما أنها
موجودة في الخمر سواء كان فيه ذهاب المال أو لم يكن ، كثيرا ما يشتمل شرب الخمر
على ذهاب المال ، فإنه يحتاج إلى شرائها وتحصيلها ، وذلك لا يحصل بمال ، فيقضي إلى
ذهاب المال في الباطل معما فيها من إرادة الشيطان أن يصدّ المؤمنين عن ذكر الله
وعن الصلاة وأن يوقع بينهم العداوة والبغضاء .
فهكذا الميسر حرم لهذه العلة ، كما
حرم الخمر ، وإذا كان فيه مع ذلك ذهاب المال لأكل الغير [ماله]([82])
بالباطل ، كان ذلك مؤكدا لتحريمها ، وكان ذلك على ثانية كما كان مثل ذلك في الخمر
.
وأما أن تجعل العلة المقتضية لتحريم
الميسر ليس إلا مجرد ذهاب المال وإتلافه في الباطل ، فهو نظير من يقول : الخمر لم
تحرم إلا لما فيها من([83])
إذهاب المال وإتلافه في الباطل . هذه العلة غايتها حفظ أموال المسلمين عليهم ، وهي
حكمة مقصودة .
وكثير من عقلاء الناس يترك هذه
المحرمات لأجل حفظ ماله ، لا لما فيها من فساد عقله ودينه .
وكثير من الملوك والرؤساء يمنع
أتباعه وجنده من هذه المحرمات ، لئلا يضيعوا فيها أموالهم فيضعفون عما يحتاج إليهم
فيه من القتال .
وكذلك الفواحش المحرمة كالزنا
واللواط تتضمن أيضا من فساد الأموال وذهابها ما يكون زاجرا عنها .
وكثير من الناس يتركها ويمتنع منها
لإجل ذلك ، لكن حكمة الشارع أعلى وأتم وأجل وأعظم ، فإنه يقصد صلاح العباد في
المعاش والمعاد ، فيأمرهم بما فيه صلاح عقولهم وأديانهم ، ويكون ذلك سببا لحفظ
أموالهم وأعراضهم ، فتحرم الفواحش والخمر والميسر لما فيها من فساد العقول
والأديان ويحفظ بذلك أموالهم عن الفساد والضياع([84])
.
وكذلك يُحرم من المعاملات ما فيه ظلم
بعضهم لبعض وفساد أموالهم وإن لم يكن من جنس
الفواحش والخمر والميسر ، كما حرم الزنا ، ولكن هذا إنما حرم في آخر الأمر
، فإن الزنا من آخر ما حرم([85])
في القرآن ، بخلاف الفواحش فإنها حُرمت في أول الأمر بمكة والخمر حمرمت في أثناء
الأمر بعد الهجرة بالمدينة بعد غزوة أحد .
وكان الشارع يقدم الأهم فالأهم في
الأمر ، فيأمر بالتوحيد أولا ثم بالصلاة . وتقدم في النهي الأهم فالأهم ، فنهى
أولا عن الشرك ثم عن الظلم والفواحش .
وقال تعالى في السورة المكية : ﴿ قُلْ
إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ
سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ سورة الأعراف –
الأية : 33 ] فقد بيّن في هذه السورة المكية أنه حرّم هذه الأصناف الأربعة .
وذلك أن هذه الأصناف الأربعة هي
المحرمة تحريما مطلقا عاما لا تحل لأحد ولا تحل في حال دون حال ، وهي بأنفسها فساد
لا يكون قط صلاحا ، ولا يكون مصلحتها راجحة على مفسدتها ، بخلاف تحريم الميتة
والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر ونحو ذلك ، فإن ذلك يحرم لإقضائه إلى المفاسد
فكان تحريمها من باب سد الذرائع ولحم الخنزير وللمضطر .
وكما أباح دفع الغُصّة بالخمر([86])
وكذلك دفع العطش بها إن كانت تروي ، فإن في هذا نزاعا .
وكذلك نهى النبي ﷺ عن بيع الثمرة قبل
أن يبدو صلاحها ، لئلا يفضي إلى أكل المال بالباطل . وأباحه ﷺ عند المصلحة الراجحة
، فأباح اشتراء الثمرة مع الأصل قبل أن يبدو الصلاح ، كما قال ﷺ : « من باع نخلا
قد أبرت ، فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع »([87]) فأباح للمشتري
أن يشتري الثمرة بعد التأبير وقبل بدو الصلاح ، فيكون مشتريا لهذه الثمرة مع الأصل
.
وكذلك أباح شراء الثمرة بعد بدو
الصلاح وإن كان بعضها لم يخلق ، وهي معرضة للجائحة ، فإنه لا يمكن أن يباع على
الوجه النافع للخلق إلا هكذا ، فكان في تأخير بيعها عن هذا الوقت من الفساد ما هو
أعظم من بيعها ، فأباح ذلك للمصلحة الراجحة .
ولهذا إذا بدا الصلاح في ثمرة من
شجرة ثمار بيع جميع ثمرها بالاتفاق .
وقد ينازع العلماء هل يباع جميع ما
في البستان من ذلك النوع أو من الجنس أو لا يباع لا هذا ولا هذا أو يباع إن كان
الصلاح هو الغالب ؟ على خمسة أقوال في مذهب أحمد وغيره . وفيها قول سادس هو أصح
الأقوال ، وهو قول الليث([88])
بن سعد وغيره ، وهو : أنه متى بدا الصلاح في جنس واحد مما في البستان جاز بيع جميع
ما في البستان من الأجناس التي تباع في العادة جملة واحدة . فإنه إذا بدا صلاح بعض
المبيع كان هو الشرط المعتبر ، كما قد بسطت هذه المسائل في غير هذا الموضع ، ولم
يكن ضمان البستان لمن يعمل له ، ويحصل الزرع والثمرة بفعله داخلا في البيع الذي
نهى عنه النبي ﷺ كما لم تكن إجارة الأرض لمن يزرعها داخلا فيما نهى عنه من بيع
الحب حتى يشتد ، ولهذا ضمّن عمر بن الخطاب حديقة أسيد بن خضير ثلاث سنين ، وتسلف
الضمان فقضى دينا كان عليه مع أن الأربعة وغيرهم يحرمون مثل هذا الضمان لظنهم أنه
داخل فيما نهى عنه بيع الثمار قبل بدو صلاحها .
واستثنى مالك ما إذا كان المقصود
كراء الأرض والشجر أقل من الثلث لأنه تابع .
واستثنى ابن عقيل ما إذا كان هناك
أرض مؤجرة مع الثمر ، سواء كانت أقل أو أكثر لأجل الجمع بينهما .
وهذا مبسوط في موضعه ، والمقصود هنا
التنبيه على بعض حكم الشريعة وبعض ما اشتملت عليه من صلاح العباد في المعاش
والمعاد .
وإنه([89])
حيث وُجِد قول مرجوح لم يكن ثابتا عن صاحب الشرع ، بل إما أن يكون من الشرع
المنسوخ([90]).
وأما النوع لا نصا ولا قياسا ، ولكن
يحرم من هذه الأنواع ما يشتمل على أكل المال بالباطل ، كما يحرم أكل المال بالباطل
وإن لم يكن هناك مخاطرة ، والموجب للتحريم عند الشارع أنه أكل مال بالباطل لا مجرد
المخاطرة مثل المخاطرة على اللعب بالنرد والشطرنج ، فإن هذا حرم لما فيه من أكل
المال بالعمل الباطل ، وهو ما لا ينفع بل يضر لا لمجرد المخاطرة ، فلو جعل السلطان
أو أجنبي مالا لمن يغلب في ذلك ؛ لما جاز .
وإن لم يكن هناك مخاطرة ، وكذلك لو
جعل أحدهما جُعْلا ، وكذلك لو أدخلا بينهما محللا ، فعلم أن ذلك لم يحرم لأجل
المخاطرة لا سيما وجمهور العلماء يحرمون هذا العمل ، وإن خلا عن عوض كما تقدم.
وأما أخذ العوض في المسابقة
والمصارعة ، فهذه الأعمال لم يجعل في الأصل لأجل عبادة الله وطاعته وطاعة رسوله ﷺ
، فلهذا لم يخص الشارع عليها ولا رغب فيها ، وإنما يقصد بها في الغالب راحة النفوس
أو الاستعانة على المباحات كالأسفار وقوة الأبدان ، فأباحها الشارع لعدم الضرر
الراجح ، ولم يأمر بها ويرغب فيها ، كما رغب فيما يحتاج إليه المسلمون ، ولا يقوم
دينهم([91])
إلا به من الرمي والركوب.
ولهذا لو خلا المسلمون إلا عن مصارع
ومسابق على الأقدام ، لم يضرهم ذلك فلا في دينهم ولا في دنياهم ، ولو خلوا عمن
يركب الخيل ويعمل بالسلاح لغلب الكفار على المسلمين ، فلهذا لم يدخل فيها السبق ،
بل قال ﷺ : « لا سبق إلا في
خف أو حافر أو نصل »([92]). ألا ترى أن
الإمام يخرج السبق لمن يغلب في سباق الخيل والنشاب ، ولو أخرج جُعلا لمن يغلب في
الصراع لكان منهيا عن ذلك لما فيه من إضاعة مال المسلمين في غير منفعة شرعية ،
والنبي ﷺ قد نهى عن إضاعة المال المملوك ، فكيف بمال المسلمين .
وإذا عرف أن مجرد المخاطرة ليست هي
الموجبة لتحريم القمار انكشفت حقيقة المسألة ، وعرف أن الصواب أن تعرَّف مرادَ
الرسول ﷺ من أقواله وحكمه وعلله التي علق بها الأحكام ، وأن الغلط نشأ من عدم
المعرفة بمراده ، وبما قصده من الحكمة العلة ، والمخاطرة في المسابقة مشتركة بين
المتسابقين كل منهما يرجو أن يغلب الآخر ، ويخاف أن يغلبه ، وكان ذلك عدلا وإنصافا
بينهما ، كما يقدم كل من المتبايعين على شراء سعلة الآخر يرجو([93])
أن يربح فيها ، ويخاف أن يخسر ، فمثل /([94])
هذه المخاطرة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع ، والتاجر مخاطر ، وكذلك الأجير
المجعول له جُعلا إذا جعل له جُعل على رد آبق أو بناء حائط أو حفر بئر ، فإنه قد
يحتاج إلى بذل ، فيكون مترددا بين أن يغنم وبين أن يغرم ، ومع هذا فهو جائز .
والمخاطرة إذا كانت من الجانبين ،
فهي أقرب إلى العدل والإنصاف من أن يختص بأحدهما مثل المضاربة والمساقاة والمزارعة
، فإن كلا منهما مخاطر ، وقد يحصُل له ربح وقد لا يحصل ، لكن العدل بينهما أنه إن
حصل ربح كان مشاعا بينهما على الشرط الذي تراضيا
به وإن لم يحصل ربح اشتركا في الحرمان ، فالمساواة في الحرمان أحد نوعي العدل
.
ولهذا نهى الميت أن يوصي لأحد من
ورثته ، بل له أن يوصي بالثلث لأجنبي بالنص والإجماع ، ولا يوصي به لوارث ، بل
يسوي بين الورثة في حرمان الوصية ، فهو أحد نوعي
العدل ، وكذلك الأب عليه أن يسوي بين أولاده ، إما في الإعطاء وإما في الحرمان
.
وكذلك الزوج إما أن يعدل بين نسائه
في المبيت ، وإما أن لا يبيت عند واحدة من الأربع ، بل يسوي بينهن فيما أبيح له من
الحرمان .
وما علمت أحدا من الصحابة([95])
اشترط في السباق محللا ولا حرمه إذا كان كل منهما يخرج السبق ، وإنما علمت المنع
في ذلك عن بعض التابعين ، وقد روينا عن أبي عبيدة ابن الجراح : أنه راهن رجلا في
سباق الخيل ولم يكن بينهما محلل .
قال يعقوب بن سفيان في كتابه ، ورواه
عنه البيهقي([96])
: "حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : حدثنا غُندَر حدثنا شُعبَة عن سماك
قال : سمعت عياض الأشعري قال : قال أبو عبيدة : من يراهنني ، قال : فقال شاب : أنا
إن لم تغضب . قال : فسبقه ، قال : فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تفقزان([97])
، وهو على فرس خلفه" .
قلت : فقد بيّن أن أبا عبيدة ابن
الجراح رضي الله عنه ولم يكن بينهما محلل ، بل الشاب سبق أبا عبيدة، وأبو عبيدة
خلفه ، ولو أخرج أحدهما دون الآخر لم يكن رهانا .
وكذلك رسول الله ﷺ أباح السبق
والرهان في الخيل ، ولم يشترط في ذلك محللا ، ولو كان المحلل واجبا لذكره ، فإن
تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وقد روى أبو داود في سننه([98])
من حديث([99])
عمران بن حسين عن النبي ﷺ أنه قال : «
لا جلب ولا جنب يوم([100]) الرهان » ، رواه من
حديث حميد الطويل وعنبسة عن الحسن عن عمران بن حصين عن النبي ﷺ قال : « لا جلب ولا
جنب » زاد عنبسة : « يوم الرهان » . وروى أبو
داود بإسناده عن قتادة قال : «
الجلب والجنب يوم الرهان »
([101]).
فذكر ﷺ الرهانَ ، والرهانُ إنما يكون
من الجانبين ، يقال : راهنه يراهنه مراهنة ورهانا ، كما يقال : صارعه صراعا
ومصارعة ، وقاتله قتالا ومقاتلة ، فدل ذلك على جواز([102])
المراهنة من الجانبين ولم يشترط في ذلك أن يكون هناك ثالث ، بل إذا كان ثالث لم
يراهن لم يكن ذلك مراهنه منه ، فلا يكن ذلك رهانا ، وذلك لأن كلا منهما في العادة
يضع شيئا يكون بمنزلة الرهن خشية أن يغلب فلا يعطي ما وجب عليه .
وإذا كانت المراهنة في سباق الخيل
معروفة على عهد النبي ﷺ وأصحابه ، فمعلوم أنه لو كان المحلل شرطا في ذلك لكان هذا
مما يأمر به النبي ﷺ وينقله أصحابه ، فكيف ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه اشترط([103])
في رهان الخيل محلل ، ولا روى أحدٌ منهم في ذلك حديثا عن النبي ﷺ ، والحديث
المأثور في ذلك قد علم أهل العلم بالحديث أنه من قول سعيد بن المسيب نفسه ، لم
يسنده ولم يرسله إلى النبي ﷺ، وهذا مما يبين أنه ليس في المسألة حديث ، فإن سعيد
بن المسيب من أعلم أو أعلم أهل زمانه بالسنة ، فلو كان في هذا سنة عن رسول الله ﷺ
لنقلها ، ولم يتكلم بمجرد رأيه ، فدل ذلك على أنه تكلم في ذلك باجتهاده .
وقد روى الثقات - مثل عفان بن مسلم
ويزيد بن هارون وحجاج بن منهال - ما رواه الإمام أحمد في المسند([104])
وغيره([105])
رووه عن سعيد بن يزيد عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد قال : أرسل الحكم بن أيوب
الخيلَ يوما ، فقلت : لو أتينا أنس بن مالك ، فأتينا فسألناه : أكنتم تراهنون على عهد رسول الله ﷺ قال : « نعم ، لقد راهن رسول الله ﷺ على فرس ، يقال له سبحة ، جاءت
سابقة ، فهش لذلك وأعجبه »
. وفي لفظ : « فأهش لذلك » .
وروى أسد بن موسى وسليمان بن حرب عن
حماد بن زيد عن واصل([106])
مولى ابن عيينة حدثني موسى بن عبيدة ، قال : أصبحت في الحجر بعد ما صلينا الغداة ،
فلما أسفرنا إذا فينا عبد الله بن عمر ، فجعل يستقرئنا رجلا رجلا ، فيقول : أين
صليت يا فلان ؟ قال : يقول هاهنا حتى أتى
علي ، فقال : أين صليت [ يا ابن عبيد ]([107])
؟ فقلت : هاهنا ، قال : بخ بخ ما نعلم صلاة أفضل عند الله من صلاة الصبح جماعة يوم
الجمعة ، فسألوه فقالوا : يا أبا عبد الرحمن أكنتم تراهنون على عهد رسول الله ﷺ
؟ . قال : نعم ، لقد راهن على فرس له يقال لها سبحة فجاءت سابقة ([108]).
فهذا المروي عن أنس بن مالك وعبد
الله بن عمر فيه أن المسلمين كانوا يراهنون على عهد رسول الله ﷺ ، وأن النبي ﷺ
راهن على فرس يقال له سبحة ، وأنها لما جاءت سابقة فرح ، ولم يذكر أحد منهم أنه
كان محلل ، ولفظ الرهن عندهم يستعمل في المعاوضة من الجانبين ، ولهذا لما ذكر
بعضهم أن الصديق راهن المشركين لما غلب فارس الروم ، قالوا : وكان ذلك قبل تحريم
القمار ، والذين قالوا هذا لم يكونوا من الصحابة ، بل كانوا ممن بعدهم([109])
ممن ظنّ أن هذا قمار محرم ، وظنوا أنه منسوخ .
وقصة الصديق حجة عليهم ودعواهم النسخ
لا حجة لهم عليه إلا ظنهم أن ذلك قمار ، وهذا هو مورد النزاع كما تقدم .
وقصة الصديق ثانية مشهورة معروفة عند
أهل الحديث والتفسير والفقه ، وقد رواها أحمد والترمذي وغيرهما .
فإن قيل : قد روى الإمام أحمد في
المسند([110])
عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال : «
الخيل ثلاثة ؛ فرس للرحمن وفرس للإنسان وفرس للشيطان ، فأما فرس الرحمن ، فالذي
يُربط في سبيل الله ، فعلفه وروثه وبوله ، وذكر ما شاء الله . وأما فرس الإنسان
فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي ستر([111]).
وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه »
.
وفي المسند([112])
أيضا عن رجل من الأنصار قال : قال رسول الله ﷺ : الخيل ثلاثة ؛ فرَس يربطه الرجل
في سبيل الله ، فثمنه أجر ، وركوبه أجر ، وعاريته أجر ، وعلفه أجر . وفرس يغالق
عليه الرجل ويراهن ، فثمنه وزر وعلفه وزر وركوبه وزر . وفرس للبطنة فعسى أن يكون
سدادا من الفقر إن شاء الله([113])
.
قيل : هذان الحديثان مثل الحديث الذي
أخرجاه في الصحيحين([114])
عن النبي ﷺ أن قال : الخيل لثلاثة، لرجل أجر، ولرجل ستر، [ وهي على رجل وزره ]([115])
. فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياءً وفخراً ونواءً على أهل الإسلام ، فهي له
وزر . وأما التي هي له ستر فرجل ربطها تغَنِّياً وتعفُّفاً ، ولم ينس حق الله في
رقابها ولا ظهورها فهي له ستر . وأما التي هي له أجر ، فرجل ربطها في سبيل الله
لأهل الإسلام في مرح أو روضة ، فما أكلت من ذلك المرح أو الروضة من شيء إلا كتب
الله له عدد ما أكلت حسنات وكُتب له عددَ أرواثها([116])
وأبوالها حسنات ، ولا تقطع طِوَلها فاستنَّت شرَفا أو شرَفين إلا كتب الله له عددَ
آثارها وأرواثها حسنات ، ولا مرّ بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها ، إلا كتب الله له عدد ما شرِبت
حسنات . قيل : يا رسول الله ! فالحُمُر ؟ قال : « ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه
الآية الفاذّة الجامعة : ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
[سورة الزلزلة – الآية : 7-8 ] ».
فهو ﷺ قسم الناس
باعتبار نياتهم في اقتناء الخيل فمن اقتناها للجهاد فهي له([117])
أجر
. ومن اقتناها ليستعني بها فهي له ستر . ومن
اقتناها ليظلم بها الناس فهي عليه وزر . من كان يقتنيها ليفتخر بها على
غيره ويغلبه ويأخذ ماله ، فهي لهذا وزر ، ولهذا قال فيه : « علفه وزر
وركوبه وزر وثمنه وزر » ، فهذا نفس
اتخاذه لها بهذه النية حرام . ولهذا قال : « يغالق » والمغالقة المغاضبة والحميّة .
وأما من اقتناها للجهاد فهذا مأجور
على اقتنائها . ومن اقتناها ليستغني بها ، فهذا مباح له اقتناؤها ، فهذا إذا سابق
عليها ، لم يكن قد اقتناها للمغالبة والمفاخرة والمراهنة .
وإن كان يجوز له باتفاق المسلمين أن
يغالب عليها بلا عوض أو بعوض يبذل له الإمام ، فيحصل له بها ظهور على غيره وأخذ
مال ، لكن لم يكن قصده بها هذا .
وقد حمل هذا الحديث طائفة من العلماء
على أن المراد به المراهنة من الطرفين ، وليس كذلك فإن الذي ذمه النبي ﷺ لو قصد أن
يأخذ رهن غيره ، ولا يخرج هو رهنا أو يأخذ الرهن إذا كان محللا لكان أولى بالذم ،
وممن قد يأخذ وقد يعطي ، ومع هذا فهو جائز عندهم .
والمراهنة([118])
المطلقة التي قد يغنم فيها تارة ، ويغرم أخرى ، وهذا أشبه بالعدل ممن قصده أن يأخذ
ولا يعطي ، ومع هذا فإذا سابق سباقا يأخذ فيه ولا يعطي كان جائزا عندهم ، فعلم أن
المعنى الموجب لذم النبي ﷺ أنه قصد بها ظلم الناس
، والمحلل ظالم ، وإدخال المحلل في السباق أظهر في العلة مما إذا لم يكن
هناك محلل ، فكان دخول المحلل في الرهان أولى بالذم مما إذا لم يدخل ، فلا يجوز أن
يحمل كلام النبي ﷺ على ما هو عكس العدل ، وهو أقرب إلى الظلم .
وثبت في المسند([119])
والترمذي([120])
وغيرهما([121])
: أنه لما اقتتلت فارس والروم فغلبت فارس الروم ، وبلغ ذلك أهل مكة ، وكان ذلك في
أول الإسلام ، ففرح المشركون بذلك ؛ لأن المجوس أقرب إليهم من أهل الكتاب ، وساء
ذلك المسلمين ؛ لأن أهل الكتاب أقرب إليهم ، فأخبر أبو بكر رضي الله عنه بذلك
النبي ﷺ ، فأنزل الله تعالى : ﴿ الَـمَ . غُلِبَتِ الرّومُ . فِيَ أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ
﴾ [سورة الروم - الأية: 1-4] ، فقال له : متى يكون ذلك؟ قال: « في بضع سنين » فخرج الصديق ،
فراهن([122])
المشركين على أنه إن غلبت الروم في بضع سنين أحد الرهنين ، وإن لم يغلبهم أخذوا هم
الرهنين .
وهذه المراهنة في سباق الخيل والرمي
بالنشاب ، وكانت جائزة ؛ لأنها كانت لمصلحة الإسلام ، لأجل بيان صدق النبي ﷺ فيما
أخبر به من أن الروم سوف يغلبون بعد ذلك ، وفيها ظهور قرب الطائفتين إلى المسلمين
على أبعدهما عنهم ، وهذا مما فعله الصديق ، وأقره النبي ﷺ ما أخبره به ، ولم ينكر
عليه المراهنة ، ولا قال : هذا ميسر وقمار ، والصديق أجل قدرا من أن يقامر ، فإنه
لم يشرب الخمر في جاهلية ولا إسلام ، وهي أشهى إلى النفوس من القمار ، فكيف يقامر
الصديق ، وقد ظن بعض الناس أن هذا الذي فعله أبو بكر وأقره عليه ﷺ هو من القمار .
وقول هؤلاء إنما يقبل إذا ثبت أن مثل
هذا إذا حل فيما حرمه الله من الميسر ، وليس لهم على ذلك دليل شرعي أصلا ، بل
أقوال لا دليل عليها ، وأقيسة فاسدة ، نظير فسادها وتناقضها لمن كان خبيرا
بالشريعة . وحِلّ مثل ذلك /([123])
ثابت بسنة رسول الله ﷺ حيث أقرّ صديقه على ذلك .
وهذا العمل معدود من فضائل الصديق
ومحاسن عمله وكمال يقينه حيث أيقن بما قاله الرسول وأحب ظهور أقرب الطائفتين إلى
الحق وراهن على ذلك رغبة في إعلاء كلمة الله ودينه بحسب الإمكان .
وبالجملة إذا ثبتت الإباحة بمثل هذا
فمدعي النسخ يحتاج إلى دليل والكلام على هذه المسألة . وذكر أقوال العلماء من
السلف والخلف وأسانيدها وأسانيد الآثار مبسوطة في غير هذا الموضع ، وإنما كتبت هذا
الجواب لمستفت في قعدة واحدة ، وقد تبين أن قول النبي ﷺ : « لا سبق إلا في
خف أو حافر أو نصل »
هو كما قال ، وأنه أباح السبقَ في هذه المغالبات .
والسبَق بالفتح هو العِوض . والسبْق
بالسكون هو الفعْل . والحديث «
لا سبَق » بالفتح ،
فجوّز السبق في المسابقة بالخيل والإبل والنصال ، ولم يشترط محللا ، لا هو ، ولا
أصحابه ، بل ثبت عنهم مثل ذلك بلا محلل .
ومما يوضح الأمر في ذلك أن السبق في
غير هذه الثلاثة ، لم يجز ؛ لأنه قمار ، فإنه منهي عنه ، ولو كان([124])
من أحد الجانبين ، فإن المسلمين متفقون على أنه لو بذل أحدهما عوضا في النرد
والشطرنج حرم مع أنه ليس العوض من الجانبين ، واتفقوا على أن العوض في ذلك حرام ،
وإن كان بينهما محلل ، فلما ثبت بالنص والإجماع تحريم العوض في اللعب بالنرد
والشطرنج ، سواء كان العوض منهما أو من أحدهما أو من أجنبي ، سواء كان بينهما محلل
أو لم يكن ، علم أن العوض في ذلك لم يحرم لأجل المخاطرة ، كما ظن من جوز ذلك بغير
عوض . فلو كان الميسر المجمع على تحريمه في النرد والشطرنج لأجل المخاطرة ، لم يبح
مع عدمها ، فلما ثبت أنه محرم على كل تقدير ، علم بطلان تعليل ذلك بالمخاطرة .
وأكثر العلماء يحرمون العوض من
الجانبين في المصارعة ، وإن كان بينهما محلل [يرفع]([125])
المخاطرة عند من يقول بذلك .
وقد ثبت جواز معاملة كثيرة يتردد
المرء فيها بين أن يغنم ويغرم ، كالمجعول له الذي جعل له على رد آبق يحتاج فيه إلى
نفقة ، فإنه يحتاج إلى أن ينفق ، فإن لم يجده غرم ، وذهب عمله ، وإن وجده غنم ،
فهو متردد بين أن يغنم ويغرم .
وكذلك المضارب الذي([126])
يعمل وينفق على نفسه من ماله في السفر متردد بين هذا وهذا .
فتبين أن هذا الوصف قد تم التأبير في
الشرع ، ليس مؤكدا([127])
في التحريم ، ولا عدمه موجبا للحل ، وإنما الأوصاف المؤثرة ما دل عليها الكتاب
والسنة من أكل المال بالباطل ، فهذا وصف موجب لتحريم أكل المال بالكتاب والسنة
والإجماع . و
كذلك كون العمل مما يصد عن ذكر الله
وعن الصلاة ، ويوقع العداوة والبغضاء وصف مؤثر في التحريم، كما دل عليه القرآن ،
كما أن بذل المال فيما يقتضي علو كلمة الله وظهور دين الله ، هو من الجهاد الذي
أمر الله به ورسوله ، سواء كان في هذا مخاطرة أو لم تكن .
وكذلك الإمام إذا قال : من دل على
مال للعدو ، فله ثلثه أو ربعه ؛ جاز ذلك .
وإن كان الدال يحتاج إلى عمل ونفقة ،
فالمسلمون يعطون أموالهم لمن يجاهد بها ، والمجاهد مخاطر قد يغلب وقد يغلب .
فقد تبيّن أن المسابقة بجعل من
الجانبين هي المشروعة التي أباحها الله ، وأن دخول المحلل في ذلك باطل ، لا أصل له
، بل تحريم المسابقة إلا بمحلل ودخول المحلل فيها ظلم وفساد ، ويشرع بلا محلل ،
كما شرعه الله ورسوله . والله أعلم ([128]).
([2]) حكى غير واحد من أهل
العلم الإجماع على جواز المسابقة في السهام والإبل والخيل ، إذا كان العوض من غير
المتسابقين .
انظر : مختصر الطحاوي لمحمد بن الحسن
ص/304 ، مختصر اختلاف الفقهاء للجصاص 3/515 ، مراتب الإجماع لابن حزم ص/254 ،
الاستذكار 10/182 ، الإقناع في مسائل الإجماع 3/1098 ، شرح مسلم للإمام النووي
13/14 ، الفتاوى الكبرى 4/464 ، الفروسية لابن قيم ص/139 ، منتهى الإرادات
3/126-127 .
([6]) انظر : مسند الإمام أحمد 4/144 ، 146 ، 148 ،
222 ، سنن النسائي 6/28، سنن أبي داود (2513) ، سنن ابن ماجة (2811).
([7]) أخرجه البخاري في صحيحه 1/614 ح(420) ، ومسلم
في صحيحه 3/1491 ح(1870) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
([8]) أخرجه الإمام أحمد في
المسند ( الفتح : 14/129 ) ، وأبو داود في سننه 2/12 ، والترمذي في سننه 3/6
ح(1637) ، وابن ماجة في سننه 2/940 ح(2811) ، والنسائي في سننه 6/28 ، والحاكم في
المستدرك 2/95 عن عقبة بن عامر الجهني عنه به .
صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وكذا
صححه ابن خزيمة وابن حبان ( فتح الباري 6/91 , 11/91 ) .
وأخرجه أيضا الترمذي 3/6 (1637) من حديث عبد
الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين مرفوعا .
وقال أبو عيسى : " هذا حديث حسن
صحيح ".
وحسنه أيضا ابن الصلاح ، وصححه ابن القطان .
( الوهم والإيهام 5/383 ) .
([9]) أخرجه أبو داود في
الجهاد (2574) ، والترمذي 4/178 ح(1700) ، والنسائي 6/536 ح(3591) ، وابن ماجة
2/960 (2878) ، والبيهقي في الكبرى 10/16 ، وأحمد في المسند 2/256 ، وابن حبان
10/544 (4690) .
قال أبو عيسى : " هذا حديث حسن ".
([11]) انظر : بدائع الصنائع
6/269 ، شرح فتح القدير 7/384-385 ، حاشية ابن عابدين 11/178-179 ، الذخيرة
للقرافي 8/208 ، حاشية الخرشي 8/7 ، شرح مسلم للنووي 13/14 ، تفسير ابن كثير 2/119
، مجموع الفتاوى 32/240 ، 250 ، الفتاوى الكبرى 4/464 ، الفروسية لابن قيم ص/139 ،
عمدة الفقيه لابن قدامة ص/263 ، المحرر في الفقه 1/358 ، مطالب أولي النهى 3/703 ،
المحلى لابن حزم 7/354 ، إعلاء السنن للتهانوي 15/244-246 ، 17/458 .
([13]) نصه في مختصر المزني
9/327 . وفيه وجه عند الشافعية أن اللعب بالنرد مكروه ، والصحيح عندهم تحريمه .
فعلى هذا قال الشيخ أبو محمد : " هو من الصغائر " . قال إمام الحرمين :
والصحيح أنه من الكبائر . وقال : " وقد أطلق الشافعي لفظ الكراهية في النرد ،
ولا اعتداد بذلك ، فإنه كثيرا ما يطلق الكراهية ، ويريد التحريم ، كما قال : « وأكره استعمال
أواني الذهب والفضة » وأراد التحريم
". انظر : نهاية المطلب 19/20-21 ، فتح العزيز 13/11-12 ، روضة الطالبين
8/203-204 ، مغني المحتاج 4/570 .
([17])
قال إمام الحرمين في النهاية 19/19 : " أطلق كثير من أصحابنا الإباحة
في اللعب بالشطرنج ، وقال المحققون : إنه مكروه ، وهذا هو الصحيح ، ولا
آمن أن الذين أطلقوا الإباحة أرادوا انتفاء التحريم ، فإن التعرض للفصل بين
المكروه والمباح مما أحدثه المتأخرون ". انتهى .
والصحيح عند الرافعي والنووي أن اللعب
بالشطرنج مكروه ، وهو المعتمد لدي متأخري الشافعية ، واحتجوا بما يلي :
1-
التمسك بالأصل وهو الإباحة ، ولم يرد
بتحريمه نص ، ولا هي في معنى المنصوص عليه . وأثر علي رضي الله عنه لا حجة فيه من
وجهين :
-
أنه لم ينكر
عليهم ، وإنما سأل عن الشطرنج حيث لم يكن يعرفه قبل ذلك .
-
ولو سلّم أنه
أنكره ، فإنكاره على طول مقامهم بما يسبب تعطل شيء من الواجبات بسببه ، ويدل عليه
قوله : « أنتم لها عاكفون »
.
2-
أما قياس الشطرنج على النرد فمردود
من وجهين :
أحدهما
: أن الشطرنج وضع لصحة التفكير والتدبير ، فهو يعين على تدبير الحروب والحساب ،
فأشبه اللعب بالحراب والرمي والنشاب والمسابقة بالخيل ، بخلاف النرد فإن موضوعه ما
يخرجه الكعبان أي الحصى ونحوه كالأزلام .
والثاني
: أن المخطئ في الشطرنج إنما يجعل خطأه على فكره ، والمخطئ في النرد يحيله على
القدر ، وهذا كفر ، وما يفضي إلى الكفر حرام .
انظر : حاشية ابن عابدين 11/179 ، فتح العزيز
13/11-12 ، روضة الطالبين 8/203-204 ، فتاوى السبكي 2/623 ، مغني المحتاج
4/570 ، إعلاء السنن 15/245 ، المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية لسعد
الشثري ص/227-228 .
([18]) ذكر العلامة السخاوي في كتابه «عمدة المحتج في حكم الشطرنج» - كما في حاشية ابن عابدين 11/179 - الأحاديث في المنع عن الشطرنج
وطعن فيها ، ثم ذكر قسمين :
قسما : فيمن كرهه وذمه من الصحابة والأئمة ، وسرد
روايتهم في ذلك ، وضعف بعضها .
وقسما : في الصحابة المنسوب إليهم أنهم لعبوه
أو أقروه عليه ، وأورد ما قيل في ذلك ، وطعن فيه .
ثم عقد بابا ذكر فيه ما جاء عن المجتهدين وعن
التابعين وتابعي التابعين في ذلك من التحريم والإباحة واللعب به والنهي عنه ، ثم
جعل خاتمة ذكر فيه اختلاف العلماء فيه مذاهب إلى آخر ما قال فيه .
وقال المزني في المختصر 5/257 : " سمعت
الشافعي يقول : كان سعيد بن جبير يلعب بالشطرنج استدبارا ، فقلت له : كيف يعلب بها استدبارا ، قال : يوليها
ظهره ، ثم يقول : بأي شيء وقع ، فيقول : بكذا ، فيقول : أوقع عليه بكذا
". وانظر : السنن الكبرى للبيهقي 10/211 ، ومعرفة السنن والآثار 7/431
ح(5956) .
قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في مجموع الفتاوى 32/245 : " وأما ما يروى عن سعيد بن جبير من
اللعب بها
، فقد بيّن سبب ذلك : أن الحجاج طلبه للقضاء فلعب بها ، ليكون ذلك قادحا فيه ، فلا
يولى القضاء . وذلك أنه رأى ولاية الحجاج أشد ضررا عليه في دينه من ذلك " .
([22]) وعدّاه إلى الشطرنج .
انظر : الفروسية ص/140 .
قال الإمام في نهاية المطلب 19/20 :
" وأما اللعب بالنرد من غير قمار ، فحرام على ظاهر المذهب ". وقال : " حكى صاحب التقريب عن ابن خيران : أن النرد
كالشطرنج ، وحكاه العراقيون عن أبي إسحاق المروزي ".
([23]) مال الحليمي من الشافعية
إلى تحريم اللعب بالشطرنج ، واختاره الروياني . انظر : المنهاج في شعب الإيمان
للحليمي 3/90 ، فتح العزيز 13/11 ، روضة الطالبين 8/203 .
([25]) أخرجه الإمام أحمد في
المسند 4/392 ، والبخاري في الأدب المفرد ص/434 ، وأبو داود في سننه 2/582 ح(4938)
، وابن ماجة في سننه 2/1237 ح(3762) ، والحاكم في المستدرك 1/50 ، والبيهقي في
الكبرى 1/215 ، والآجري في تحريم النرد ص/114 من حديث أبي موسى الأشعري عنه به .
صححه الحاكم ووافقه الذهبي .
([26]) قال إمام الحرمين :
" قال الأصحاب : ( لا يحرم ما لم تنضم إليه مُسابّة أو ترك صلاة ) ، وهذا
كلام غث ، فإن المحرم هو الترك والمسابة ، وقالوا : ( يحرم إذا قصد به القمار ) ،
وهذا أيضا ليس بشيء ، فإن القمار لا يلزم ، والمحرم قصده وإلزامه ، والشطرنج في
نفسه لا يتغير اللعب به ". ( نهاية المطلب 19/20) .
([29]) رواه الإمام أحمد في
المسند 1/272 . وفي سنن ابن ماجة في كتاب الأشربة ح(3375) : «مدمن» بدل «شارب» . وحسنه
الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 3/143 (2736) ، والصحيحة ح(677) .
([30]) رواه ابن أبي الدنيا في
ذم الملاهي ( الإرواء 8/288 ح 2672 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى 10/212 ، وابن
حزم في المحلى 9/75 ، والآجري في تحريم النرد ص/135 . صححه ابن حزم وابن قيم في الفروسية
ص/144 . قال الإمام أحمد : " أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه ".
( المغني 12/37 ، إعلاء السنن 15/245) . وقال الألباني في الإرواء 8/288 : "
هذا الأثر لا يثبت عن علي " .
وانظر : معرفة السنن والآثار 7/231 ، الفتاوى
الكبرى 4/465 ، الفروسية لابن قيم ص/144 ، التلخيص 4/379 ح(2673) .
([32]) روى البيهقي في شعب
الإيمان ( إعلاء السنن 17/458 ) عن عبيد الله بن عمر أنه قال للقاسم بن محمد : هذه
النرد تكرهونها، فما بال الشطرنج ؟ قال : « كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو
الميسر » .
وممن حرم الشطرنج : أبو موسى الأشعري سعيد بن
المسيب والقاسم وسالم وعروة ومحمد بن علي بن الحسين ومطر الوراق . انظر : شعب
الإيمان للحليمي 3/92 ، المغني 12/37 ، إعلاء السنن 15/245 .
([33]) انظر : الذخيرة للقرافي
8/208 ، المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 3/92 ، المغني 12/37 ، الفتاوى الكبرى
للمصنف ، كتاب الملاهي 4/475 ، الفروسية لابن قيم ص/145 ، تفسير ابن كثير 2/119 ،
إعلاء السنن 15/245 .
([36]) وعبارته في الفروسية
ص/145 نقلا عن المصنف : بخلاف الشطرنج ، فالنرد بعوض شرّ من الشطرنج الخالي عن
العوض .
([38]) ما بين المعكوفين هكذا
في المخطوط . وعبارته في الفروسية لابن قيم ص/145 نقلا عن المؤلف ، يعني ابن تيمية
:
[ ولكن إذا خلوا عن العوض ؛ كان
تحريمها من جهة العمل ، وإذا اشتملا على العوض ؛ صار تحريمها من وجهين : من جهة
العمل ، ومن جهة أكل المال بالباطل ، فتصير بمنزلة لحم الخنزير الميت ] .
وعبارة المؤلف في كتابه الفتاوى الكبرى 4/475
وكذا في مجموع الفتاوى 32/24 :
[ وإذا كانا بعوض ، فالشطرنج شر في الحالين .
وأما إذا كان العوض من أحدهما ، ففيه من أكل المال بالباطل ما ليس في الآخر] .
([42]) كما أخرجه مسلم في صحيحه
3/1153 ح(1513) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : نهى رسول الله ﷺ عن بيع
الغرر.
([43]) كما أخرجه البخاري في
صحيحه 4/418 ح(2143) ، ومسلم في صحيحه 3/1153 ح(1514) من حديث ابن عمر – رضي الله
عنهما - أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع حبل الحبلة .
([44]) كما ثبت في صحيح البخاري
4/460 ح(2194) ، وصحيح مسلم 3/1165 ح(1534) عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول
الله ﷺ نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها .
([45]) أخرجه البخاري في صحيحه
4/420 ح(2146) ، ومسلم في صحيحه 3/1152 ح(1511) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله ﷺ نهى عن بيع الملامسة والمنابذة .
([47]) أخرجه البخاري في صحيحه
4/465 ح(2198) ، ومسلم في صحيحه 3/1190 ح(1555/15) من حديث أنس رضي الله عنه عنه
به .
([50]) رواه أبو داود في سننه
4/411 ح(4075) ، والترمذي في سننه 4/217 ح(1784) ، والبيهقي في الكبرى 10/18 من
طريق محمد بن علي بن ركانة عن أبيه .
قال أبو عيسى : " حسن غريب ".
والحديث مرسل كما قاله ابن الملقن في البدر المنير 9/426 . وأورده أبو داود في
مراسله ص/235 ح(308) .
([51]) رواه أبو داود في سننه
3/249 ح(2571) ، والنسائي 5/304 ح(8945) ، وابن ماجة 1/636 ح(1979) ، والبيهقي في
الكبرى 10/18 ، ومعرفة السنن والآثار 7/302 ، وابن حبان 10/545 ح(4691) . وصححه
ابن الملقن في البدر المنير 9/424 .
([56]) أخرجه البخاري في صحيحه
4/529 ح(2276) ، ومسلم في صحيحه 3/1727 ح(2201) من حديث أبي سعيد الخدري .
([58]) رواه أبو داود 3/250
ح(2573) ، وابن ماجة 2/920 ح(2786) ، وأحمد 2/505 ، والطبراني في المعجم الصغير
1/169 ، والبيهقي في الكبرى 10/20 ، والحاكم في المستدرك 2/114 .
وأكثر علماء الحديث على أنه موقوف ، ولا يصح
رفعه إلى النبي ﷺ ، وصحح آخرون رفعه .
وانظر : المحلى 7/354 ، العلل لابن أبي حاتم
2/318 ، البدر المنير 9/430 .
([62]) فعن حنظلة بن قيس
الأنصاري ، قال : سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق ؟ فقال : لا بأس
بها ، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله ﷺ بما على الماذِيَانات وأقْبالِ
الجَداوِل ، وأشياءَ من الزرع ، فيهلِك هذا ويسلم هذا ، ويسلم هذا ويهلك هذا ، ولم
يكن للناس كراء إلا هذا ، فلذلك زجر عنه . فأما بشيء مضمون معلوم ، فلا بأس به .
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المزارعة
برقم (2346 ، 2347) ، ومسلم في صحيحه ، كتاب البيوع برقم : 116-(1547) .
وروى مثل ذلك الإمام أحمد 1/182 ، وأبو داود
ح(3391) ، والبيهقي 6/133 ، والدارمي 2/271 ، وابن حبان في صحيحه ح(5201) عن سعد
بن أبي وقاص رضي الله عنه . وضعفه ابن حزم في المحلى 7/57 ، وحسنه الألباني في
صحيح سنن أبي داود 2/348 .
وروى مثله أيضا مسلم في صحيحه برقم 96-(1536)
عن جابر رضي الله عنه .
([87]) أخرجه البخاري في صحيحه
برقم (2203 ، 2204) ، ومسلم في صحيحه برقم (1543) من حديث ابن عمر – رضي الله
عنهما - .
([98]) سنن أبي دواد ، كتاب
الجهاد ، باب في الجلب على الخيل في السباق ، رقم (2581) . صححه الألباني في صحيح
سنن أبي داود 2/118 .
([101]) سنن أبي دواد ، كتاب
الجهاد ، باب في الجلب على الخيل في السباق ، رقم (2582) . قال الألباني في صحيح
سنن أبي داود 2/118 : " صحيح مقطوع ".
([104]) رواه الإمام أحمد في
المسند 3/160 رقم (12654) من طريق أبي كامل – واسمه مظفر بن مدرك - عن سعيد بن زيد
باللفظ المذكور . ومن طريق عفان بن مسلم 3/256 رقم (13724) ، بلفظ : « فانتشى لذلك » بدل « فهش لذلك » .
قال ابن قيم : " وهو حديث جيد الإسناد
" . انظر : الفروسية ص/52 .
([105]) رواه أيضا البيهقي في
السنن الكبرى 10/21 من طريق حجاج بن منهال باللفظ المذكور . وبمعناه رواه أيضا من
طريق يزيد بن هارون وعفان بن مسلم عن سعيد بن زيد .
([114]) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المناقب ، باب
(28) ح (3646) ، ومسلم في صحيحه ، كتاب الزكاة ، باب إثم مانع الزكاة ح (987) من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عنه به .
([120]) جامع الترمذي ، كتاب
تفسير القرآن ، رقم (3194) من حديث نِيار بن مُكرَم الأسلمي . ورواه عنه أيضا أبو
الشيخ في طبقات الأصبهانيين ص/329 .
قال
أبو عيسى : " هذا حديث صحيح حسن غريب " . وقال الألباني : " إسناده
حسن ". انظر : الضعيفة 7/365 تحت حديث رقم (3354) .
0 Komentar