مَشْرُوعِيَّةُ التَّدَاوِي
( مع حكم الكشف واللمس والنظر للعلاج ،
ومسئولية الطبيب )
DISYARIATKAN BEROBAT KETIKA SAKIT
BESERTA HUKUM BUKA AURAT PASIEN, MENYENTUH, MELIHAT KARENA PENGOBATAN
JUGA HUKUM PERTANGGUNG
JAWABAN SEORANG DOKTER
إعداد
الطالب : فخر الرازي كرديفان
Di Tulis oleh Abu Haitsam Fakhry
· أهمية
التداوي .
· الأدلة
على مشروعية التداوي
· أدلة
من رأى عدم مشروعية التداوي، مع الإجابة عنها.
· النتيجة
.
· حكم
الكشف واللمس والنظر للعلاج ، ومتى الضرورة في ذلك .
· مسئولية الطبيب ، ومتى يضمن ؟
=======================
بسم الله الرحمن الرحيم
*****
· أهمية التداوي
إن الله تعالى هو خالق الداء والدواء ،
ومصرف الأسباب كيف شاء : { قُلْ
كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } [ النساء : 78 ] ، وقال ﷺ : « مَا
أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَل لَهُ شِفَاءً » ([1])
.
والإنسان بفطرته يبحث عما يزيل آلامه وأسقامه
. فالتداوي له أهمية كبيرة تكمن في حاجة الناس إليه لحفظ أجسادهم من المرض وآلامه
سواء في ذلك الحسية منها والمعنوية ، ولكونه متعلقا بحفظ أحد المقاصد الضرورية
الخمسة التي جاء الشرع بحفظها مهما أمكن وهو حفظ النفس ، فلو ترك الناس التداوي
لفشت في الأمة الأمراض وتعطلت مصالحها .
يقول العز بن عبد السلام السلمي : الطِّبّ
كالشّرِع، وُضِعَ لِجَلْبِ مَصَالِحِ السّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ وَلِدَرْءِ
مَفَاسِدِ الْمُعَاطَبِ وَالْأَسْقَامِ، وَلِدَرْءِ مَا أُمْكِنَ دَرْؤُهُ مِنْ
ذَلِكَ، وَلِجَلْبِ مَا أُمْكِنَ جَلْبُهُ فِي ذَلِكَ"([2]).
ويقول الشيخ بكر أبو زيد : " وَقَدْ
عُلِمَ مِنَ الشَّرْعِ بِالضَّرُورَةِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّدَاوِي، وَأَنَّ
حُكْمَهُ فِي الْأَصْلِ الْجَوَازُ، تَوْفِيرًا لِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ فِي حِفْظِ
النَّوْعِ الْإِنسَانِيِّ، الْمَعْرُوفِ مِنْ ضُرُورِيَّاتِهِ بِاسْمِ
"حِفْظِ النَّفْسِ".([3])
وذكر أن من غايات التداوي :
1)
حفظ
الصحة الموجودة.
2)
إعادة
الصحة المفقودة بقدر الإمكان.
3)
إزالة
العلة أو تقليلها بقدر الإمكان.
4)
تحمل
أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما.
5)
تفويت
أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما.([4])
· الأدلة على مشروعية التداوي
اتفق علماء
المسلمين على أن الأصل في حكم التداوي مشروع ـ وإن
كان منهم من قال بإباحته مطلقا كقول جمهور العلماء منهم مالك ، ومنهم من قال بأن تركه
أفضل كما هو المنصوص عن أحمد ، ومنهم من قال
بوجوبه كقول طائفة من أصحاب الشافعي وبعض الحنابلة ، ومنهم من يستحبه
ويرجحه كطريقة جمهور السلف وعامة الخلف وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية وبعض
الحنابلة ـ سوى ما ذكر عن بعض غلاة الصوفية من إنكار التداوي([5]).
وقد دل على مشروعية التداوي الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمعقول :
أولا : الأدلة من الكتاب ، ومنها ما يلي :
1-
قوله
تعالى : {
فَمَنْ
كَانَ مِنْكُمْ مَّرِيْضًا اَوْ بِه اَذًى مِّنْ
رَّأْسِه
فَفِدْيَةٌ
مِّنْ
صِيَامٍ
اَوْ
صَدَقَةٍ
اَوْ
نُسُكٍ }
[ البقرة : 196 ].
فدلت الآية الكريمة على إباحة حلق
الرأس، لمن في رأسه أذى، ويحتاج إلى حلق شعره، لتخرج الأبخرة الضارة عن طريق مسام
جلد الرأس التي حبسها الشعر. وهذا نوع من التداوي.
2-
قوله
تعالى: { وَإِنْ
كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا
طَيِّبًا }[ النساء: 43 ] .
فدلت الآية على جواز العدول عن الماء
إلى التراب في حق المريض حماية له من أن يصيب جسده ما يؤذيه.
3-
قوله
تعالى: )فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ مَّرِيْضًا اَوْ عَلٰى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ اَيَّامٍ اُخَرَ ( [ البقرة: 184]
فدلت الآية الكريمة على جواز الفطر
للمريض، لعذر المرض حفاظاً على سلامة البدن.
ثانيا : الأدلة من السنة ، ومنها ما يلي :
1-
قوله
ﷺ : « مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَل لَهُ شِفَاءً » .([6])
2-
وقوله
ﷺ : « لِكُلِّ
دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ »([7]).
3-
عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : أُصِيبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَوْمَ أُحُدٍ،
فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَبِيبَيْنِ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ:
«عَالِجَاهُ!»، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَعَالِجُ
وَنَحْتَالُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ فَمَا هُوَ إِلَّا
التَّوَكُّلُ. فَقَالَ: «عَالِجَاهُ، فَإِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ
الدَّوَاءَ ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ شِفَاءً» فَعَالَجَاهُ فَبُرِئَ.([8]).
4-
عَنْ
رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: عَادَ رَسُولُ اللَّهِ رَجُلًا بِهِ جَرْحٌ،
فَقَالَ: «ادْعُوا لِي طَبِيبَ بَنِي فُلَانٍ» فَدَعَوْهُ فَجَاءَ، فَقَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا؟ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ،
وَهَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً»
([9]).
ثالثا : الإجماع :
قد حكى البعض الإجماع على مشروعية
التداوي ، من غير مبالاة بخلاف من خالف ؛ لكون الخلاف فيها ضعيفا ومصادما للأدلة
الصحيحة الصريحة في مشروعيته ، ولانعقاد الإجماع قبل حدوث هذا الخلاف على ما يظهر([10]).
رابعا : القياس :
أن الأمر بالتداوي مثل الأمر بالدعاء
وبقتال الكفار وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة مع أن الأجل لا يتغير ،
والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها .
خامسا : المعقول :
أن التداوي مما جبل عليه الناس في حالة
المرض أو توقع نزوله ، وهو مثل الطعام عند الجوع والماء عند العطش ، وفيه مصلحة
المحافظة على حياة الإنسان وصحته ووجوده على أحسن حال . والمحافظة على حياة
الإنسان من أهم مقاصد الشريعة الضرورية .
· أدلة
من رأى عدم مشروعية التداوي، مع الإجابة عنها.
ذهب بعض الغلاة من الصوفية إلى عدم
مشروعية التداوي([11])،
مستدلين على ذلك ببعض الأدلة الشرعية التي قد يفهم من بعضها ذلك ، ومن تلك الأدلة
ما يأتي :
1-
قوله
تعالى : )مَا
أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا(
[الحديد : 22 ] .
قالوا : دلت هذه الآية على أن الله
سبحانه وتعالى قد علم أيام المرض وأيام الصحة ، فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو
زيادته ما قدروا ، فالواجب على المؤمن أن يترك التداوي اعتصاماً بالله وتوكلاً
عليه وثقة به ، فالولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ، فما دام
كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي([12]).
ويجاب عن هذا
بالآتي :
أولا : أن الآية تتصل بما قبل ، وهو أن الله تعالى هوّن عليهم ما
يصيبهم في الجهاد من قتل وجرح ، وبيّن أن ما يخلفهم عن الجهاد من المحافظة على
الأموال وما يقع فيها من خسران ، فالكل مكتوب مقدّر لا مدفع له ، وإنما على المرء
امتثال الأمر ، ثم أدبهم فقال هذا : ] لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا
فَاتَكُمْ [ أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق([13]) .
ثاثنا : أن هذا مردود بالأحاديث الصحيحة التي فيها الأمر
بالتداوي ، ومباشرة النبي ﷺ للتداوي ، وأن
الله سبحانه وتعالى خالق الداء والدواء ، وأن التداوي من باب الأخذ بالأسباب
المشروعة ، وهو من الإيمان بقضاء الله وقدره([14])؛
لما روي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رُقَى
نَسْتَرِقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَتَقِيَّةً نَتَقِيهَا، هَلْ تُرَدُّ
مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» .([15])
ثالثا
: أن هذا كَردِّ قدَر الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، وكرد قدَر العدو
بالجهاد. فهذا كله يبين أن التداوي لا ينافي القدر.
رابعا :
أن التداوي لا ينافي التوكل ، بل يوافقه ، فلا تتم حقيقة التوكل والتوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها
قدراً وشرعاً ، وأن تعطيلها يقدح في التوكل .
خامسا :
أنه مما لا شك فيه ولا ريب أن النبي ﷺ كان المثل الأعلى في التوكل ، وتحقيق التوحيد
، وكمال العبودية ، وكان مع ذلك يأخذ بالأسباب
حيث أعد الزاد ، والراحلة والدليل في هجرته ، وكان يتداوى ويداوي ، ويأمر
بالدواء ، وهو سيد المتوكلين ﷺ .
2- قوله ﷺ : « مَنِ اكْتَوَى أَوِ
اسْتَرْقَى فَقَدْ بُرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ. » ([16]).
وقد يحاب عنه : بأن هذا فيمن فعل معتمدا
عليها لا على الله أو لخطر الاكتواء ، أو يحتمل أنه ﷺ قصد إلى نوع معين من الكي
بدليل أن النبي ﷺ كوى أبيا يوم الأحزاب على أكحله لما رمي .
3- ما روى ابن مسعود رضي الله عنه وغيره
أن النبي ﷺ قال: « إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوْلَةَ شِرْكٌ. » .
فدل الحديث على أن الرقى والتمائم
والتولة مما يتداوى به ، وفي ذلك إشراك لها مع الله في التوكل فلا تجوز .
ويمكن الإجابة عن هذا : بأن المذكور في
الحديث يدخل في أنواع التداوي الذي لا يجوز شرعا ، كالرقى بالألفاظ الشركية ،
والتمائم والتعليق والتولة . والله أعلم .
4- قوله ﷺ : « يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لَا
يَسْتَرِقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُوْنَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ. »([17]).
هذا الحديث قد أجاب عنه العلماء بعدة
أجوبة ؛ منها :
- أن المراد لا
يسترقون بالتمائم، كما كانت تفعله العرب في الجاهلية .
- ومنها أن المراد
لا يسترقون قبل حلول المرض .
-
ومنها : أنه يحمل على من يعتقد أن الأدوية نافعة بطباعها -كما يقوله بعض
الطبائعيين- لا أنهم يفوضون الأمر إلى الله سبحانه وحده .
- ومنها : يحتمل
أن يكون قصد نوع من الكي مكروه بدليل : كَيِّ النَّبِيُّ ﷺ أُبَيًّا، وَقَالَ:
"الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الرُّقْيَ
بِمَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ﴾". ؛ وقد رقى النبي ﷺ أصحابه ، وأمرهم بالرقية .
فليس في الحديث
دليل على كراهية التداوي أو منعه ، ولكنه دل على أن الأفضل ترك الاسترقاء، وهو طلب
الرقية، تحقيقاً لكمال التوكل ؛ ولا يعني ذلك كراهية التداوي أو تحريمه؛ ولذلك روى
أن كثيرا من الصحابة ترك التداوي؛ فقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه قيل له: لو
دعونا لك طبيبا؟ فقال: الطبيب قد نظر إليَّ وقال: إني فعال لما أريد.([18])
5- أن الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل
، فكيف يوصف لمن به الإسهال ؛ ومجمعون أيضا أن استعمال المحموم الماء البارد
مخاطرة قريب من الهلاك، لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل
الجسم ، فيكون سببا للتلف .
ويجاب عنه بما قاله المازري ؛ قال : هذا
الذي قاله المعترض على التداوي جهالة ، وهو فيها كما قال الله تعالى : }بَلْ
كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ
{ [ يونس: 39 ]([19]).
· النتيجة
:
أن للتداوي أهمية كبيرة في حياة الإنسان وفي المحافظة على بقائه وصحته، فهو أمر مشروع ، وقد دلت أدلة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول على جوازه . وإنكار مشروعيته من قبل غلاة الصوفية يعتبر مكابرة .
· حكم
الكشف واللمس والنظر للعلاج ومتى الضرورة في ذلك ؟
إن الأصل في الشرع يقتضي حرمة كشف
الإنسان عن عورته كما شهدت بذلك النصوص الشرعية ، ومن تلك النصوص :
1- قوله تعالى : ] قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم ويحفظوا فروجهم ... [ وقال تعالى : ]
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهم إلا ما ظهر منها وليضربن
بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... [ ([20])
2- ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي ﷺ قال : « لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة
المرأة »([21]).
3- ونصوص فقهاء الإسلام – رحمهم الله –
في كتبهم على تحريم ذلك .
هذا من حيث حكم الأصل ، إلا أن الفحص
الطبي لغرض معرفة المرض الجراحي والمعالجة يعتبر مستثنى من حكم ذلك الأصل ، فيجوز
كشف العورة ونظر الطبيب إلى ما لا يحل له النظر إليه . وذلك لمكان الضرورة والحاجة
الداعية إليه ، وَالْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقُولُ: «الضَّرُورَةُ تُبِيحُ
الْمَحْظُورَاتِ»، وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى تَقُولُ: «الْحَاجَةُ تَنْزِلُ
مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ عَامَةً كَانَتْ أَوْ خَاصَةً». .
فالإنسان إذا طلب منه الفحص لمعالجة
المرض الجراحي الذي يعاني منه ، إما أن يكون مضطرا ، وإما أن يكون محتاجا ، وفي
كلتا الحالتين هو معذور شرعا .
قال العز بن عبد السلام : "سِتْرُ
الْعَوْرَاتِ وَالسُّوءَاتِ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْمُرُوءَاتِ وَأَجْمَلُ
الْعَادَاتِ، وَلَا سِيمَا فِي النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ
لِلضُّرُورَاتِ وَالْحَاجَيَاتِ. أَمَّا الْحَاجَاتُ فَكَنَظُرِ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى صَاحِبِهِ، وَنَظَرُ الْأَطِبَّاءِ لِحَاجَةِ
الْمُدَاوَاةِ. وَأَمَّا الضُّرُورَاتُ فَكَقَطْعِ السُّلَعِ الْمُهَلِّكَاتِ،
وَمُدَاوَاةِ لِجُرَاحَاتِ الْمُعْتَلِفَاتِ"([22]).
وهذا الحكم – كما تقدم – مبني على وجود
الضرورة والحاجة ، فلا يحل للطبيب ولا لغيره أن يطالب المريض بالكشف عن عورته إلا
إذا تعذر وجود الوسائل التي يمكن بواسطتها تحقيق مهمة الفحص بدون كشف العورة .
وكذلك لا يجوز للرجال أن يقوموا بفحص النساء ولا العكس إلا إذا تعذر وجود المثيل
الذي يمكنه أن يقوم المهمة المطلوبة .
وأما قيد الجواز فهو الاقتصار على القدر
الذي تسد به الحاجة دون زيادة عليه ، فيجب على كل من الطبيب ومعينوه أن يقتصروا في
كشفهم ونظرهم إلى عورة المريض على الموضع المحتاج إلى النظر دون غيره، وكذلك عليهم
الاقتصار على الوقت المحتاج إليه دون زيادة ؛ لأن الأصل في الشرع يقتضي حرمة الكشف
عن العورة والنظر إليها جميعها ، فإذا وجدت الضرورة أو الحاجة استثني من ذلك الأصل
الموضع والزمان المحتاج أو المضطر إليه ، وبقي غيره على الأصل المقتضي لحرمة كشفه
والنظر إليه ، وذلك للقاعدة الشرعية التي تقول : «مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ
يُقَدِّرُ بِقَدَرِهَا» ([23]).
وقد استدل هؤلاء الفقهاء على جواز النظر
واللمس لأغراض الفحص والمعالجة عند الضرورة بما يأتي :
1-
مَا رَوَى عَطِيَّةُ الْقُرْظِيُّ قَالَ: كُنْتُ
مِنْ سَبِيِّ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ: فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ
قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكُنْتُ فِي مِنْ لَمْ يُنْبِتْ. ([24]).
فدل الحديث على جواز
النظر إلى العورة عند الضرورة .
2-
ما
روي : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَ إِلَيْهِ
غُلَامٌ ابْتَهَرَ جَارِيَةً فِي شَعْرِهِ، فَقَالُوا: انْظُرُوا إِلَيْهِ، فَلَمْ
يُوْجَدْ أَنْبَتًا، فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ. ([25]).
3- ولأن هذا موضع حاجة وضرورة . والضرورة تبيح المحظورات إلا أن الضرورة تقدر بقدرها ([26]).
· مسئولية
الطبيب ، ومتى يضمن ؟
·
المراد
بهذه المسئولية
المراد بمسئولية الطبيب هو إلزام الطبيب بتعبات أعماله
الطبية أو تبعات ما يترتب عليها من أضرار ؛ أو يقال : هي حق قانوني يستحق به
المريض أو من يقوم بأمره توجيه سؤال إلى الطبيب ومساعديه عن الضرر الناشئ عن فعلهم
وتحمل تبعاته إذا حصل ذلك نتيجة خطأ أو تفريط أو جهل أو نحو ذلك .([27])
·
أدلة
مشروعية المسؤولية الطبية
دلت
أدلة شرعية من النقل والعقل على اعتبار المسئولية الطبية ؛ منها :
1-
حديث عمر بن شعيب
عن أبيه عن جده أن رسول الله r قال : « من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك
فهو ضامن ».([28])
وجه
الدلالة : أن الحديث دل على اعتبار المسئولية الطبية التي عبر عنها بإثرها ، وهو
الضمان . ودلالته شاملة لمن تطبب وكان جاهلا بالطب كلية ، أو كان جاهلا بالجزئية
التي تطبب فيها ، وأنه يدخل في حكم التطبب التمريض والتحليل ونقل الدم والتخدير
والتصوير بالأشعة والمناظير الطبية .
2-
الإجماع .
وقد
حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على تضمين الطبيب الجاهل والمتعدي . قال الإمام
الخطابي – رحمه الله - : "لا أعلم خِلَافًا في أَنَّ الْمُعَالِجَ إِذَا
تَعَدَّى فَتَلَفَ الْمَرِيضَ كَانَ ضَامِنًا".([29])
وقال ابن القيم - رحمه الله - : "إِذَا تَعَاطَى عِلْمَ الطِّبِ وَعَمَلَهُ
وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ بِهِ مَعْرِفَةٌ فَقَدْ هَجَمَ بِجَهْلِهِ عَلَى إتْلَافِ
النُّفُوسِ، وَأَقْدَمَ بِالتَّهُورِ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ، فَيَكُونُ قَدْ
غَرَّرَ بِالْعَلِيلِ، فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ لِذَلِكَ. وَهَذَا إجْمَاعُ أَهْلِ
الْعِلْمِ.".([30])
ويقول
ابن رشد : "وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا أَخْطَأَ لَزِمَتْهُ
الدِّيَةُ، مِثْلَ أَنْ يَقْطَعَ الْحَشْفَةَ فِي الْخِتَانِ وَمَا أَشْبَهَ
ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَانِي خَطَأً. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ:
أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَذَلِكَ عِنْدَهُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ
الطِّبِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الطِّبِ أَنَّهُ
يَضْمَنُ لِأَنَّهُ مُتَعَدِّ.".([31])
3-
القياس .
يضمن
الطبيب الجاهل والمتعدي ما أتلفته يده كما يضمن الجاني سراية جنايته بجامع كون كل
منهما فعلا محرما.([32])
4-
أن الشريعة الإسلامية راعت العدل بين العباد
ودفع الظلم عنهم، والمسئولية الطبية عن الجراحة الطبية معينة على تحقيق ذلك، فوجب
اعتبارها.([33])
·
متى
يضمن الطبيب ؟
الشريعة
الإسلامية عادة تتميز بالوسطية في الأحكام ، فموقفها وسط بين الإفراط والتفريط ؛
قال الحق سبحانه : {
وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ البقرة: 143].
ولما وجدت الحاجة الداعية إلى التداوي والعلاج بشتى طرقه وأنواعه المباحة أجازت
الشريعة لأهل الاختصاص من الأطباء ومساعديهم الإقدام عليه وممارسته كالمهنة لهم ،
ولكن الشريعة وضعت حدودا وزواجر كفيلة لدفع الأضرار التي قد تحصل بأيديهم نتيجة
خطأ أو جهل . ذلك أن الأطباء ومساعديهم بشر يعتريهم ما يعتري النفس البشرية
الضعيفة من طلب عرض الدنيا وجاهها من مال أو شهرة ودعاية ، فيقوم أحدهم بعلاج
المريض مع عدم الكفاءة العلمية والميدانية فيما يقوم به ، فيعرض حياته إلى الخطر ،
أو يتجاوز الحد المشروع له ، أو يخطئ أثناء قيامه بالعمل ؛ فوضعت الشريعة الزواجر
والعقوبات البدنية والمالية والتعزيرية المناسبة .
والتفصيل
في ذلك مبثوث في كتب الفقه ، وخلاصته :
أن
خطأ الطبيب مضمون ، وكذلك جهله ، سواء كان ذلك في النفس أو الطرف . وينفرد الجاهل
بالتأديب مع الضمان ، ولا يؤدب المخطئ . والدية فيما أخطأه ـ عند جمهور أهل العلم
ـ تكون على عاقلته . ومنهم من جعلها في ماله . ولا خلاف في أنه إذا لم يكن من أهل
الطب أنها في ماله ، لظاهر حديث عمر بن شعيب المتقدم . ويقتص منه إذا تعمد ، وإن
كان هذا نادر . وأما سراية الجراحة الطبية فلا يضمنها إذا ثبت أنه مختص في عمله
وقام به على الوجه المطلوب وأذن له من يعتبر إذنه ـ كالمريض البالغ العاقل ، وولي
الصبي والسفيه ـ ولم يتجاوز القدر المأذون له فيه.([34])
وبهذا المسلك القويم تخالف الشريعة
الإسلامية ما ذهب إليه بعض علماء القوانين الوضعية من إسقاط المسئولية عن الأطباء
مطلقا ، وذلك بحجة أن قصد الاعتداء منتف في فعل الطبيب بالكلية ، ولا يمكن أن
يقصده.([35])
([5])
ينظر : مجموع فتاوى لشيخ الإسلام 21/564 ، حكم التداوي د. علي محمد المحمّدي ضمن
مجلة المجمع عدد (7) 3/602 وما بعدها ، كتاب الاضطرار إلى الأطعمة والأدوية
المحرمة ص107-109.
([6])
الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 7/11-12، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل
له شفاء من حديث أبي هريرة .
([11])
انظر :حكم التداوي في الإسلام د. علي محمد المحمّدي ضمن مجلة المجمع الفقهي عدد
(7) 3/603 ، وكتاب الاضطرار إلى الأطعمة والأدوية المحرمة ص109.
([12])
انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17/232 ، أحكام التداوي في الإسلام د.
علي محمد المحمدي صمن مجلة المجمع عدد (7) 3/603 .
([15])
الحديث أخرجه الترمذي في سننه 4/399، كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى والأدوية،
وقال: حديث حسن صحيح.
0 Komentar