Ticker

6/recent/ticker-posts

Header Ads Widget

التَّلْقِيحُ ٱلْاِصْطِنَاعِيُّ (طِفْلُ ٱلْأَنَابِيبِ) (BAYI TABUNG)

التَّلْقِيحُ ٱلْاِصْطِنَاعِيُّ (طِفْلُ ٱلْأَنَابِيبِ)

PEMBUAHAN / INSEMINASI BUATAN (BAYI TABUNG)

----

إعداد الطالب :

فخر الرازي كرديفان

--

كتبه في عام 1423 هـ

===

===

عناصر الموضوع :

  • التعريف بالتلقيح الاصطناعي
  • أنواعه وبيان أقسام كل النوع
  • المحاذير الناتجة عن التلقيح الاصطناعي الداخلي والخارجي
  • الأسباب الداعية إلى عمليات التلقيح الاصطناعي
  • الحكم الشرعي لكل صورة من صور التلقيح الاصطناعي مع الأدلة والترجيح

*****

بسم الله الرحمن الرحيم

===***===

التعريف بالتلقيح الاصطناعي

التلقيح في اللغة :

اللقاح والإلقاح : اسم لما يقوم مقام المصدر ، وأصل اللقاح للإبل ثم استعير في النساء فيقال: لَقِحَت إذا حملت ، ومعناه : التخصيب ، ومنه تلقيح الحيوانات ، وتلقيح النخل ، أي تأبيره([1]).

التلقيح في الاصطلاح :

يطلق لفظ التلقيح الاصطناعي على عدة عمليات مختلفة يتم بموجبها تلقيح البويضة بحيوان منوي، وذلك بغير طريق الاتصال الطبيعي الجنسي.([2]) والذي يحسن تسميته: طرق الإنجاب في الطب الحديث، أو التلقيح خارج الجسد. فصار "طفل الأنابيب" واحدة من صور وأساليب ما اكتسب اسم "التلقيح الاصطناعي".([3])

==***===

أنواعه وبيان أقسام كل النوع

التلقيح الاصطناعي نوعان :

أحدهما : التلقيح الاصطناعي الداخلي :

ويتم هذا النوع من التلقيح داخل الرحم حيث يتم إيصال ماء الرجل إلى رحم المرأة بطريقة تقنية من حقن أو غيرها .. بهدف الحصول على الولد . وأكثر تفصيلا من هذا  قولهم : إنه إدخال السائل المنوي في المجاري التناسلية عند المرأة بهدف الإنجاب عن طريق حقن كمية ضئيلة منه في داخل عنق الرحم بعد الكشف عليه وتعقيمه ، وتحقن الكمية المتبقية من السائل المنوي في قعر المهبل خلف عنق الرحم، وتبقى المرأة بعد ذلك مستلقية على ظهرها مدة ساعة أو ساعتين([4]) .

وقد عُرف لدى الفقهاء الأقدمين باسم الاستدخال، وجاء في كلام الفقهاء الأقدمين : ((إن الحمل قد يكون بإدخال الماء للمحل دون اتصال ))([5]).

والثاني: التلقيح الاصطناعي الخارجي:‏ وهو ما أخذ فيه الماءان من رجل وامرأة زوجين، أو غيرهما، وجعلا في أنبوب أو طبق اختبار، ثم تزرع في مكانها المناسب من رحم المرأة([6]) .

أقسام التلقيح الاصطناعي الداخلي :

1- أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها حتى تلتقي النطفة التقاء طبيعيا بالبيضة التي يفرزها مبيض زوجته، ويقع التلقيح بينهما ثم العلوق في جدار الرحم بإذن الله، كما في حالة الجماع. وهذا الأسلوب يلجأ إليه إذا كان في الزوج قصور لسبب ما عن إيصال مائه في المواقعة إلى الموضع المناسب.

2- أن تؤخذ نطفة من رجل وتحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا ثم العلوق في الرحم كما في الأسلوب الأول، ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيما لا بذرة في مائه، فيأخذون النطفة الذكرية من غيره .

والنوع الثاني : التلقيح الاصطناعي الخارجي :

يتم هذا النوع من التلقيح خارج جسم الإنسان ، وذلك بأخذ بويضة بواسطة مسبار ثم تلقيها في أنبوب أو طبق اختبار بواسطة حيوانات منوية من الرجل وتركها تنمو في المحضن لمدة يومين أو ثلاثة ثم أعادتها إلى الرحم حيث تنمو نموا طبيعيا . ويلجأ إلى هذا النوع من التلقيح عند ما لا تنجح كل محاولات التلقيح الداخلي.

===***===

أقسام التلقيح الاصطناعي الخارجي :

1- أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض زوجته فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بييضة زوجته في وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة بييضة لتعلق في جداره وتنمو وتتخلق ككل جنين. وهذا الذي يسمى بـ( طفل الأنبوب ) . ويلجأ إلى هذا الأسلوب عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها ( قناة فالوب ) .

2- أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته ( يسمونها متبرعة ) ، ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته . ويلجأ إلى هذا الأسلوب عند ما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو معطلا ، ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه .

3- في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبييضة من امرأة ليست زوجة له ( يسمونهما متبرعين ) ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة. ويلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيما بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولدا.

4- أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.  ويلجأون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، ولكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها.

5- أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجة ثانية للزوج صاحب النطفة فتتطوع لها ضرتها لحمل اللقيحة عنها.

===***===

المحاذير الناتجة عن التلقيح الاصطناعي الداخلي والخارجي

أولا : المحاذير الناتجة عن التلقيح الاصطناعي الداخلي :

1- يؤدي ذلك إلى العديد من المشاكل الصحية ، ومن بينها حدوث حالات من مرض الإيدز ، والتهاب الكبد الفيروسي .

2- نكاح الاستبضاع الحديث ، وهو أن يؤخذ من العباقرة والأذكياء والأقوياء ويباع لمن تدفع الثمن .

3- أخذ المني من متبرع ( في الغالب يكون مجهولاً بالنسبة للمرأة ) ويُحقن ذلك في رحمها في الوقت المناسب من الدورة ، وولد بهذه الطريقة ربع مليون في أمريكا حتى عام 1984 م .

4- تستخدم مجموعة من الساحقات الشاذات هذه الطريقة للحمل دون أن تتصل المرأة بأي رجل .

5- تتحول النساء إلى أبقار يلقحن بمني رجل واحد ، كما تفعله معظم بنوك المني . 6- شركات تجارية ضخمة لبنوك المني .

ثانيا : المحاذير الناتجة عن التلقيح الاصطناعي الخارجي :

1- اختلاط الأنساب .

2- حدوث حالات من مرض الإيدز ، وانتقال فيروس التهاب الكبدي .

3- وجود مراكز تجارية تبحث عن الربح ، وتستخدم المني الجاهز المليء بالحيوانات المنوية ، بدلاً من مني الزوج .

5- استخدام الأجنة الفائضة في مجال الأبحاث . وهو أمر ترفضه المجامع الفقهية .

7- تجميد الأجنة وما ينشأ عنه من مشاكل .

===***===

الأسباب الداعية إلى عمليات التلقيح الاصطناعي

أولاً : الأسباب الداعية إلى عمليات التلقيح الاصطناعي الداخلي :

تستخدم هذه الطريقة من العلاج في الحالات التالية :

1-       ضآلة عدد الحيوانات المنوية لدى الزوج ، فتجمع حصيلة عدة دفعات من المني ، وتركز ويتم إدخالها إلى رحم الزوجة .

2-       إذا أصيب الزوج بمرض خبيث (سرطان) ويستدعي ذلك العلاج بالأشعة والعقاقير التي تؤدي إلى العقم . فتؤخذ دفعات من المني ، وتحفظ ثم تلقح الزوجة في الوقت المناسب .

3-       إذا أصيب الزوج بالإنزال السريع ، أو العِنّة ( عدم القدرة على الإيلاج ) مع وجود القدرة على إفراز حيوانات منوية سليمة .

4-       إذا كان هناك تضاد مناعي بين خلايا الزوج والزوجة .

5-       إذا كانت حموضة المهبل تقتل الحيوانات المنوية بصورة غير اعتيادية .

6-       إذا كانت إفرازات عنق الرحم تعيق ولوج الحيوانات المنوية .

7-       عدم قدرة الزوجة على الجماع لمرض عضوي أو نفسي([7]).

ثانياً : الأسباب الداعية إلى عمليات التلقيح الاصطناعي الخارجي :

1-       قفل أو إصابة الأنابيب في الجهتين ، وفشل محاولة إصلاحها جزئياً ، وهذا هو السبب المهم الوحيد الذي تستدعي إجراء محاولة التلقيح الاصطناعي الخارجي ( طفل الأنبوب )

2-       حدوث انتباذ في بطانة الرحم، ومن أهم أسبابه الوطء في زمن الحيض .

3-       حدوث تضاد مناعي في جهاز المرأة التناسلي .

4-       حدوث تضاد مناعي في جهاز الرجل التناسلي .

5-       عيوب شديدة في مني الزوج ( قلة المني ، قلة الحركة ، كثرة الحيوانات المنوية الميتة ) .

أسباب مجهولة لدى الرجل أو لدى المرأة تسبب قلة الخصوبة([8]).

===***===

الحكم الشرعي لكل صورة من صور التلقيح الاصطناعي مع الأدلة والترجيح

يمكن تلخيص الصور المتقدمة من حيث بيان حكمها الشرعي إلى خمس مجموعات هي :

أولاً : ماءان أجنبيان في رحم امرأة متزوجة أو أحد المائين أجنبي .

ثانياً : الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البييضة بعد انفصام عقد الزوجية بوفاة أو طلاق .

ثالثاً : الماء من الزوجين والرحم أجنبي عن الزوجية .

رابعاً : الماء من الزوجين في رحم زوجة له أخرى بتلقيح داخلي أو خارجي .

خامساً : الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البييضة بتلقيح داخلي أو خارجي .

****

الفرع الأول : ماءان أجنبيان في رحم امرأة متزوجة أو أحد المائين أجنبي :

هو حمل سفاح محرم لذاته في الشرع تحريم غاية لا تحريم وسائل قولاً واحداً ، والولد الحاصل منه ولد زنا ، ولا خلاف في هذا بين من بحثوا هذه النازلة([9]).

****

الفرع الثاني : الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البيضة بعد انفصام عقد الزوجية بوفاة أو طلاق .

اختلف فيها العلماء المعاصرون إلى قولين :

1- إن الإقدام على مثل هذه الحالة محرم([10]) . وهو قول جمهور الفقهاء المعاصرين ممن بحث هذه المسألة ؛ منهم الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ بكر أبو زيد . وبه قالت اللجنة الطبية الفقهية الدائمة في الأردن .

2- التفصيل : فإن كانت الزوجة معتدة أو جاءت به لأقل من ستة أشهر ، وقامت على ذلك البينة فالعملية جائزة ، وإن كانت غير مستحسنة . أما إن أجريت العملية بعد انتهاء العدة فهي محرمة([11]). وهو رأي الدكتور عبد العزيز الخياط ، وتابعه عليه زياد عبد النبي مشترطاً الإشهاد عند الإيداع والاستخراج في مصرف المني أن المني مني زوجها من قبل أهل الخبرة والمعرفة حتى لا ترمى المرأة بأقاويل الزنا .

الراجح : هو القول الأول ؛ وذلك لقوة دليله ، ولأن دليل القول الثاني فيه ضعف. وبيان ذلك أنه لا ارتباط بين الحرمة وثبوت النسب ، فهما قضيتان مختلفتان ، فقد يثبت النسب للزوج صاحب الفراش ويحرم الوطء الذي نتج عنه الولد كالحال في المرأة المتزوجة إذا زنت ، فإن الولد ينسب للزوج صاحب الفراش ، إلا أن ينفيه عنه باللعان .

****

الفرع الثالث : الماء من الزوجين والرحم أجنبي عن الزوجية .

وحكم هذه الصورة التحريم كما أفتى بذلك المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ، وبه قالت اللجنة الطبية الفقهية الدائمة في الأردن ([12]).

****

الفرع الرابع : الماء من الزوجين في رحم زوجة له أخرى   .

اختلف فيها الباحثون على ثلاثة أقوال :

1- الجواز. وهو الذي أجمع عليه المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته السابعة، ثم رجع عنه في دورته الثامنة وتوقف. وقد رأى أحد علماء الرافضة وهو محمد على تسخيرى إباحتها بشروط([13]).

2- التحريم ([14]). وبه قال طائفة من العلماء ، منهم: الشيخ بدر المتولي عبد الباسط، والشيخ علي الطنطاوي، واللجنة الطبية الفقهية الدائمة في الأردن.

3- التوقف([15]) . وإليه رجوع المجمع الفقهي الإسلامي لربطة العالم الإسلامي في القرار الثاني من الدورة الثامنة .

الترجيح : والذي يظهر لي هو القول بالتحريم ، لصحة دليله ، ولأنه لا يؤمن وقوع اختلاط الأنساب من جهة الأم.

****

الفرع الخامس : الماء من الزوجين في رحم الزوجة ذات البييضة بتلقيح داخلي أو خارجي :

وقد اختلف فيه الفقهاء المعاصرون على خمسة أقوال :

1- الجواز فيهما بشروط([16]). وهو قول جمهور الباحثين ، وعليه قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة بالأكثرية ، وقرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالأكثرية أيضاً.

2- الجواز في الداخلي دون الخارجي بشروط ([17]). وقال به الشيخ عمر جاه ، والصديق الضرير .

3- التحريم فيهما ([18]). وقال به محمد إبراهيم شقرة ورجب التميمي وغيرهما.

4- التوقف ، بعضهم توقف في الصورتين منهم الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله . ومنهم من توقف في الخارجي دون الداخلي ، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله السبيل .

5- إنه من مواطن الضرورات فلا يفتى فيه بفتوى عامة ، وعلى المكلف المبتلى سؤال من يثق بدينه وعلمه. وهو الذي انتهى إليه الشيخ بكر أبو زيد.

****

الترجيح : والقول الراجح هو الجواز فيهما بشروط ، وذلك للأسباب التالية :

1- لقوة أدلتهم التي بنوا عليها ، وذلك من خلال القياس الصحيح ، والبناء على مقصد حفظ النسل في الشريعة .

2- أن الشريعة الإسلامية قائمة على اليسر ودفع المشقة والحرج عن المكلف ، والمشقة تجلب التيسير ، وإباحة هذه الصورة فيه دفع للحرج والمشقة عن الزوجين في إنجاب طفل يسعدان به ، ويحقق تمام نعمة الزواج لهما .

3- أن الحكم بالجواز مبني على مشروعية التداوي في الشريعة الإسلامية ، والعقم داخل فيها ضمن شروط خاصة سيأتي بيانها .

4- أن لكل مولود بأبيه صلة : تكوين ووراثة ، وأصل ذلك الحيوان المنوي فيه ، وله بأمه صلتان : الأولى : صلة تكوين ووراثة ، وأصلها البييضة منها ، والثانية : صلة حمل وولادة وحضانة ، وأصلها الرحم منها. فهذا هو المولود المتصل بأبويه شرعاً وطبعاً ، وعلى هذه الوصلة تترتب جميع الأحكام الشرعية التي رتبها الله تبارك وتعالى على ذلك . وهذا متحقق في التلقيح الاصطناعي بنوعيه الداخلي والخارجي .

والشروط التي وضعت لجواز هذه الصورة :

1- أن تثبت حاجة المرأة لهذه العملية من أجل الحمل .

2- أن يتم مراعاة أحكام الفحص الطبي المتعلقة بكشف العورة ، حيث يكون كشف العورة جائزاً عند الضرورة المقدرة بقدرها ، وأن يكون المعالج امرأة مسلمة ، ثم امرأة غير مسلمة ثقة ، ثم طبيب مسلم ثقة ، ثم طبيب غير مسلم ثقة ، ولا تجوز الخلوة إلا مع ذي محرم .

3- أن يتم التحقيق من قيام الزوجية بين من أخذ منه السائل المنوي ، وبين المرأة المراد تلقيحها .

4- أن يغلب على ظن الطبيب تحقيق نتائج إيجابية من جراء إجراء هذه العملية ، ويجوز له أن يكرر إجراءها لأكثر من كرة .

5- في حالة التلقيح الداخلي : أن تتم العملية فوراً ، وأمام عين الزوج مع إهدار جميع ما تبقى من الحيوانات المنوية بعد التلقيح .

6- أن يؤمن اختلاط الأنساب بوجود ضمانات لنقل المني والبييضات ، وعدم  استعمال مني غير الزوج ، وبييضة غير الزوجة في كل مراحل التلقيح الاصطناعي الخارجي([19]).

صدر في هذا الموضوع الهام والخطير ستة قرارات : ثلاثة لمجمع الرابطة ([20])، والأخرى لمجمع المنظمة([21]).

وفي الأخير فإنني أختم هذا البحث بإيراد ما قرره مجلس مجمع الفقه الإسلامي  : رقم (4) 3/07/86 بشأن « أطفال الأنابيب » :

« إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ / 11 إلى 16 أكتوبر 1986م .

بعد استعراضه لموضوع التلقيح الصناعي « أطفال الأنابيب » وذلك بالاطلاع على البحوث المقدمة والاستماع لشرح الخبراء والأطباء ، وبعد التداول تبين للمجلس :

أن طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام هي سبع :

الأولى : أن يجري تلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبييضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته .

الثانية : أن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبييضة الزوجة ثم تزرع تللك اللقيحة في رحم الزوجة.

الثالثة : أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها.

الرابعة : أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبييضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة.

الخامسة : أن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.

السادسة : أن تؤخذ نطفة من زوج وبييضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.

السابعة : أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً.

وقرر :

أن الطرق الخمسة الأول كلها محرمة شرعاً وممنوعة منعاً باتاً لذاتها أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية.

أما الطريقان السادس والسابع فقد رأى مجلس المجمع أنه لا حرج من اللجوء إليهما عند الحاجة مع التأكيد على ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة.([22])



([1]) انظر : لسان العرب 12/308 ، والمصباح المنير 2/556 ، ومعجم لغة الفقهاء ص/124 .

([2]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع2/ج1/ص282.

([3]) انظر: فقه النوازل للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد 1/262.

([4]) انظر: الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء ص 77 .

([5]) انظر : الطبيب أدبه وفقهه ص338 .

([6]) انظر: فقه النوازل للشيخ بكر أبو زيد 1/263؛ والأحكام الطبية المتعلقة بالنساء 78، 93.

([7]) انظر: الطبيب أدبه وفقهه ص/ 339 ، والأحكام الطبية المتعلقة بالنساء ص /77 ، والمسائل الطبية المستحدثة في ضوء الشريعة الإسلامية 1/167 ، 186 ، والتلقيح الاصطناعي وحكمه في الشريعة الإسلامية د/ محمد يعقوب خبيزة،  بحث نشر بمجلة الإحياء المغربية 9/118 .

([8]) انظر : أخلاقيات التلقيح الاصطناعي ص/65-67 ، والطبيب أدبه وفقهه ص/344 ، الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء ص/78-79 ، والمسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية 1/ 172-173 .

([9])   الأدلة على تحريم هذه الصورة :

1- أن هاتين الصورتين هما في معنى الزنا ؛ وذلك لأن جوهرهما واحد ، وحقيقتهما واحدة ، وهي : وضع ماء رجل أجنبي قصداً في حرث ليس بينه وبين ذلك الرجل عقد ارتباط بزوجية شرعية ، ولولا القصور في الجريمة لكان حكم التلقيح في هاتين الصورتين هو حكم الزنا .

2- أن هاتين الصورتين تشبهان ما كان يعرف في الجاهلية بنكاح الاستبضاع ، وهو محرم في الإسلام .

3- أن العلة في تحريم الإسلام للتبني والزنا هو حفظ الأنساب من أن تختلط ، وهذه الصورة أشد منهما حرمة .

([10])   حجتهم : أن الزوجية قد انتهت في هذه الحالة ، وعندئذ يكون التلقيح بنطفة من غير الزوج ، فهي نطفة محرمة.

([11])   حجتهم : احتجوا بما قرره الفقهاء من أن المرأة إذا حملت بعد وفاة زوجها وكانت معتدة أو جاءت به لأقل من ستة أشهر وشهد بولادتها امرأة واحدة عند الفقهاء ، ورجلان أو رجل وامرأتان عند أبي حنيفة فإن الولد يثبت نسبه؛ لأن الفراش قائم بقيام العدة، ولأن النسب ثابت قبل والولادة وثابت أن النطفة منه، وإنما من غير المستحسن في هذه الحالة أن تلجأ المرأة إلى الإنجاب بهذه الطريقة .

([12])   الأدلة على تحريمها :

 1- اختلاف رحم الزوجية الذي هو من دعائم الهيئة الشرعية المحصلة للأبوة والأمومة. 2-  أن في زرع اللقيحة في رحم غير صاحبة البييضة إفساداً لمعنى الأمومة.

3-  تؤدي إلى كشف العورة لغير المريضة، وهي المرأة التي ستغرس في رحمها اللقيحة ، وهو محرم ، إذ لا مبرر لكشف عورتها، والجواز إنما هو خاص بالمريضة دون غيرها.

4-  لا يؤمن وقوع اختلاط في الأنساب من جهة الأم، فقد تحمل صاحبة الرحم من زوجها بالإضافة إلى اللقيحة المنغرسة في رحمها، وبهذا لا تعرف الأم الحقيقية للجنين، وكل ما يؤدي إلى اختلاط الأنساب فهو محرم قياساً على الزنا والتبني .

([13])   حجته :

1- أننا لا نستطيع أن نجزم بالحرمة في هذه الحالة بعد أن كان الماء من الزوج والبويضة من الزوجة والحمل في رحم مباحة .

2- أن الإشكال الذي بنى عليه المجمع حكمه بتحريم هذه الحالة، وهو أنه يحتمل أن الزوج يواقعها ويشتبه الأمران ، يمكننا أن نفرق ونشترط على الزوج ألا يتصل بزوجته إلا بعد تبين الحمل بشكل طبيعي يأتي هذا المحذور بعد ذلك .

([14])   وحجته : القياس على صورة وضع اللقيحة في رحم امرأة أجنبية ؛ إذ لا فرق بينهما ، أو الفارق بينهما غير مؤثر .

([15])   وحجته : أن الزوجة التي زُرعت فيها لقيحة الزوجة الأولى قد تحمل ثانية قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة ، ثم تلد توأمين ، ولا يعلم ولد اللقيحة من ولد معاشرة الزوج ، كما لا تعلم أم ولد اللقيحة التي أُخذت منها البويضة من أم ولد معاشرة الزوج ، كما قد تموت علقة أو مضغة أحد الحملين ولا تسقط إلا مع ولادة الحمل الآخر، ولا يعلم أيضاً أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة ولد الزوج؟ ويوجب ذلك اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقية لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام ، وإن ذلك كله يوجب توقف المجمع عن الحكم في الحالة المذكورة .

([16])   أدلة القول الأول ( الجواز بشروط ) :

1- قياس التلقيح الاصطناعي الداخلي والخارجي على التلقيح الطبيعي بجامع كون كل منهما يبتغى به تحصيل النسل بطريق شرعي ، وهو الزواج .

2- أن من مقاصد الشريعة الإسلامية إبقاء النسل وحفظه ، وهذا لا يتحقق إلا بالزواج الذي يتم فهي الاتصال الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة ، وحيث تعذر ذلك ، فإنه يلجأ إلى استعمال طريقة التلقيح الاصطناعي الداخلي ، وإذا تعذر يلجأ إلى استعمال الخارجي لتحقيق هذا المقصد العظيم .

3- أن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النسل ، ومعلوم أن التداوي مشروع حفاظاً على النفس البشرية ، وعلاج العقم بهذه الطريقة يندرج تحت عموم جواز التداوي والمعالجة الطبية بشروط معينة ، وهو محقق لمقصد حفظ النسل .

([17])   أدلة القول الثاني : ( جواز الداخلي بشروط دون الخارجي ) :

استدلوا لجوازه بأدلة القول الأول السابقة، واستدلوا للمنع بما يلي :

1- أن طفل الأنبوب لا يعدوا أن يكون تجربة علمية ظنية لا يمكن القطع معها بحمل المرأة وإنجابها ؛ لأن الحمل والإنجاب ـ حتى في الحالات الطبيعية ـ يبقيان شيئاً ظنياً ، مرده إلى علم الله وإرادته وحده .

الاعتراض على هذا الاستدلال : بأن طفل الأنبوب أصبح حقيقة علمية ناجحة لا تقبل الشك ، ولها ضوابطها العلمية الواضحة ، والحمل بهذه الصورة لا يتم إلا بعد التأكد م إخصاب البييضة ، وأما استمرار الحمل في هذه الصورة فهو كاستمراره في التلقيح الطبيعي ، حيث إن كلاً منهما مرده إلى علم الله وإرادته .

2- إن قاعدة سد الزرائع في الإسلام تفرض حظر طفل الأنبوب ومنعه ، إذ إن هذه القاعدة تحظر على المسلم شيئاً من الحلال الصريح مخافة الوقوع في الحرام الصريح ، وطفل الأنبوب يطلب ـ بغض النظر عن الحل والحرمة ـ بسبيل غير مشروع ، وهو الكشف عن عورة المرأة وملامستها ، وتصويب النظر إلى مواطن الفتنة ، فالقضية فيه معكوسة تماماً فيكون أولى بالتحريم مما حرم بسد الزرائع .

واعترض على هذا الاستدلال : بأن الاستناد إلى قاعدة سد الزرائع يعني فيما يعينيه بأن الحكم الأصلي لهذه العملية هو الجواز أو الإباحة ، وإنما حرمت ؛ لأنها وسيلة مفضية إلى الحرام ؛ أو لأن المفاسد المترتبة عليها أكثر من المصالح . وأما كون التلقيح الاصطناعي بهذه الصورة وسيلة للحرام ، فليس بصحيح ؛ لأنه وسيلة لأمر مطلوب شرعاً وهو النسل . وأما كون المفاسد المترتبة علي هذه العملية أكثر من المصالح ، فليس بمسلم ؛ ذلك لأن النسل من الضروريات الخمس ، وانكشاف العورة من المرأة على غير زوجها إنما هو إخلال بالتحسينيات ، ومعلوم أنه إذا تعارض الضروري مع غيره من الحاجيات والتحسينيات ، فالضروري أولى بالاعتبار .

3- إن إنجاب الأولاد يتم عن طريق المعاشرة الزوجية الطبيعية ، فيتم الحمل ، قال تعالى : ) نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ( [ البقرة : 223 ] ، أي نساؤكم مكان زرعكم ، وموضع نسلكم ، وفي أرحامهن يكون الولد ، فأتوهن في موضع النسل والذرية ، ولا تتعدوه إلى غيره ، ومعنى الآية : أن التلقيح بواسطة الأنبوب ، أو غيره مخالف لنص الآية الكريمة .

واعترض على هذا الاستدلال :

بأنه ليس في محله ، بل هو تحميل للنص ما لا يحتمله ، فإن أقصى ما تدل عليه الآية : أن موضع الحرث ـ أي الولد ـ : هو القبل ، وأنه لا يجوز إتيان المرأة من دبرها ، وليس في الآية دليل يقطع ، أو يشعر بعدم جواز هذه الصورة من صور التلقيح الاصطناعي ، أي بغير طريق الجماع ، فقد رتب الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ ثبوت نسب المولود للزوج ، إذا استدخلت المرأة مني زوجها إلى فرجها .

4- أن هذه الطريقة تحفها المخاطر ، وذلك أنه من الممكن الخطأ في البييضات ، وفي الحيوانات المنوية ، فتلقح البييضات بمني غير الزوج ، وهذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب ، وقد حرم الله الزنا ، والتبني ، لأنهما يعملان على اختلاط الأنساب .

واعترض على هذا الاستدلال : بأن القائلين بالجواز ، إنما يقولون به ضمن شروط وضوابط سيأتي بيانها ، وفيها من الاحتياطات ما تمنع من حدوث مثل تلك المحاذير التي ذكرت .

الأدلة التي استدل بها المانعون للتقليح الاصطناعي الداخلي ، وستأتي إن شاء الله .

([18])   أدلة القول الثالث : ( التحريم فيهما معاً أي الداخلي والخارجي )

بالنسبة لتحريم التلقيح الاصطناعي الخارجي فالأدلة على تحريمه هي التي سبق ذكرها في أدلة القول السابق، وأما أدلة تحريم التلقيح الداخلي فهي:

1- أن الله تعالى شرع الاتصال الجنسي بين الزوجين لغاية أساسية ، وهي تأمين السكن النفسي الناتج عن المتعة الحسية والعاطفية ، وثانية تابعة لها وهي إنجاب الأطفال ضماناً لاستمرار النسل، والتلقيح بهذه الصورة يحقق الثانية دون الأولى، ومعلوم أن الثانية لا تتحقق إلا بشرط تحقيق الأولى مصداقاً لقوله تعالى: ) وجعل منها زوجها ليسكن إليها( [ الأعراف: 189] ، وقوله : ) هن لباس لكم وأنتم لباس لهن( [ البقرة : 187 ] ، فما دام التلقيح لا يحقق الإشباع النفسي فإنه يكون محرماً ؛ طبقاً للقاعدة الفقهية : « الأصل في الفروج التحريم حتى يقام الدليل على الحل » .

واعترض على هذا الاستدلال بأنه لا يسلم من النقد لما يلي :

أ-  ليس مسلماً أن الزواج مقصده الأول إشباع الرغبة الجنسية النفسية، بل مقصده الأول والأساسي: هو حفظ النسل وبقاؤه ، ثم إن السكن والمودة ليس من شرطه الاتصال الجنسي ، فربما يحصل السكن والمودة دون حصول الاتصال الجنسي ، والتلقيح الاصطناعي يعد من عوامل تحقيق السكن والمودة في جو الأسرة ، حيث يتم تهدئة نفسيتي الزوجين باستقبال مولود طالما تطلعا لإنجابه .

ب- أما القاعدة الفقهية التي استدلوا بها فلا تصلح دليلاً على تحريم التلقيح الاصطناعي فإن القاعدة صحيحة، ومعناها : أن الأمر المستمر والمستقر : أن الفروج محرم الاستمتاع بها حتى يرد دليل الإباحة ، ولكن هذا في حال كون الماء من غير الزوج ، أما وأن يكون الماء منه ، فهي حل له ، فويجوز له إدخال منيه إلى فرجها بهذه الصورة .

2- أن التلقيح الاصطناعي ينافي كرامة الإنسان، وفيه امتهان لها ، قال تعالى: ) ولقد كرمنا بني آدم ...( [الإسراء : 70] ؛ لذلك حرم الله الزنا لما فيه من الامتهان لكرامة المولود، وكذلك الحال لمن يولد بطريقة التلقيح الاصطناعي هو ممتهن بالصورة التي تم استيلاده بها.

واعترض علي هذا الاستدلال : بأن قياس ابن الزنا على الولد الناشئ من التلقيح الاصطناعي الداخلي قياس مع الفارق، فإن الولد الناشئ من التلقيح الاصطناعي يثبت نسبه للزوج ، وتجب عليه نفقته بخلاف ولد الزنا، كما أنه لا يسلم من أن في هذه الصورة امتهان لكرامة المولود، إذ لا دليل على هذا الامتهان. أما قوله : إن ابن الزنا ممتهن ، فغير مسلم ، فابن الزنا مكرم ؛ لأنه نفس بشرية لا ذنب لها بالصورة التي وجد بها ، غير أنه لا يثبت نسبه للزاني .

([19]) انظر : الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء ص/88-89 ، 99 .

([20])  القرار الأول في الدورة الخامسة سنة 1402 هـ ، والثاني في الدورة السابعة سنة 1404 هـ ، والثالث في الدور الثامنة سنة 1405 هـ . يراجع : مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع2 1/323 وما بعدها ، الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة لعلي أحمد السالوس 2/794-805 .

([21])  القرار الأول الدورة الثانية بجدة سنة 1406 هـ ، والقرار الثاني في الدورة الثالثة بعمان 1407 هـ ، والثالث في الدورة السادسة بجدة رقم قرار (57/6/6) 1410 هـ . يراجع : الاقتصاد الإسلامي لعلي أحمد السالوس 2/806-810 .

([22]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع3/ج1/ص515-516.

Posting Komentar

0 Komentar